English
أهنئكم جميعًا في صوم القديسة السيدة العذراء، الذي يبدأ في السابع من شهر أغسطس، ويمتد إلى أسبوعين، وينتهي باحتفالات عيدها في الثاني والعشرين من الشهر نفسه. و”السيدة العذراء” لها من الحب والتقدير والكرامة كثير في قلوب المِصريين جميعًا، إذ يلجؤون إلى طلب شفاعاتها وبركاتها؛ ولمَ لا وهي التي وطأت قدماها “مِصر” وجالت في رُبوعها مع “السيد المسيح” حين كان طفلاً؛ فنالت أرض “مِصر” وشعبها بركات جليلة سُجلت في تاريخها بحروف من نور وبإشراقات من الأبدية.
لقد كرمت الأديان “السيدة العذراء” كرامات جزيلة إذ أعلنت السماء أنها “مبارَكة من الله” – تبارك اسمه القدوس؛ فيذكر الكتاب أن رئيس الملائكة “جَبرائيل” ظهر لها ووصفها في تحيته لها:”… مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ». فَلَمَّا رَأَتْهُ ٱضْطَرَبَتْ مِنْ كَلَامِهِ، وَفَكَّرَتْ: «مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هٰذِهِ ٱلتَّحِيَّةُ!» فَقَالَ لَهَا ٱلْمَلَاكُ: «لَا تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لِأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ ٱللهِ. …”. أمّا هي ففي تواضع عظيم أجابته: “هُوَذَا أَنَا أَمَةُ ٱلرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ.”. ثم ترنمت “السيدة العذراء بأنشودتها الخالدة، مسبحة الله الذي ينظر ويرفع كل نفس متضعة، فقالت: “تُعَظِّمُ نَفْسِي ٱلرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي، لِأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى ٱتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ ٱلْآنَ جَمِيعُ ٱلْأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لِأَنَّ ٱلْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَٱسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ ٱلْأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ ٱلْأَعِزَّاءَ عَنِ ٱلْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ ٱلْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ ٱلْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ ٱلْأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ …”. ونجد ذكرًا كرامة “السيدة العذراء” في القرآن في سورة آل عمران: ﴿وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَالَمِينَ﴾، وفي سورة التحريم: ﴿وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ﴾، وفي سورة الأنبياء: ﴿وَٱلَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾. وهٰكذا، نالت “السيدة العذراء” كرامة لم تنَلها ولن تبلغها امرأة على مر العصور والأجيال.
وقد بدأ “صوم السيدة العذراء” الآباء تلاميذ “السيد المسيح” رسله الأطهار، بعد أن حدثهم “توما الرسول” عن رؤيته الملائكة وهي حاملة جسد السيدة العذراء الطاهر بعد نياحتها، وذٰلك في أثناء عودته من التبشير في بلاد الهند. فقد حدث أنه حين التقى “توما الرسول” بقية الرسل، سألهم عن “السيدة العذراء”، فأعلموه بأمر نياحتها (وفاتها). فطلب “توما الرسول” أن يرى مكان قبرها، وعندما ذهبوا إليه ولم يجدوا جسد “السيدة العذراء” المبارك، ابتدأ “توما الرسول” يقصّ عليهم أنه رأى ملائكة تحمل جسدها إلى السماء؛ فاشتهى الرسل أن يرَوا ذاك المنظر المقدس؛ فصاموا مصلين إلى الله أن ينالوا تلك البركة، وبعد خمسة عشر يومًا أظهر الله لهم جسد “السيدة العذراء” وتباركوا منه.
أمّا عن حياة “السيدة العذراء”، فلم تتذوق قط طعم راحة، بل امتلأت بكثير من آلام وصعوبات ومشقات، احتملتها بكل تواضع وشكر، ملقية كل همها على الله الذي حفِظها منها جميعًا؛ فهي التي أطاعت وهربت من “فلسطين” إلى “مِصر” حاملة معها السيد المسيح وهو ما يزال طفلاً لتتنقل به هربًا من الجند الساعين وراءه لقتله، وهي التي تبِعت السيد المسيح في كل مكان وقت أن كان يجول يعلِّم الشعب ويشفي أمراضهم متحننًا عليهم، وهي الأم التي جاز في نفسها سيف الألم حين رأت ابنها يضطهده رؤساء اليهود وكهنتهم ويتآمرون معًا على قتله؛ ليدمي السيف قلبها ويقتلعه وهي تراه معلقًا على الصليب دون ذنب جناه، وهو من كان يجول يصنع خيرًا للكل! إن “السيدة العذراء” بحق النموذج الفريد لكل إنسان يجتاز درب الحزن والألم، وهي التي تشفع في البشر وتصلي من أجلهم جميعًا كي يجدوا رحمةً وعونًا في آلام الحياة وتجاربها وضيقاتها.
كل عام وجميعكم بخير. ونصلي إلى الله أن يحفظ بلادنا “مِصر” في أمن وسلام، بشفاعات “السيدة العذراء” التي باركت وطننا الغالي في مجيئها إليه، وفي ظهوراتها الكثيرة فيه،و… والحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ
