تحدثت مقالات سابقة عن حكم “الملك العادل الصغير” ابن “الملك الكامل”، الذي وقع اختيار أمراء “مِصر” عليه لتولي إدارة شؤونها، لٰكن ذٰلك أدى إلى نشوب الصراعات بينه وبين أخيه الأكبر “الملك الصالح نَجم الدين”، انتهت بانتزاع الأخير حكم “مِصر” من أخيه وحبسه ثم قتله خنقًا؛ لتنتهي سنة وشهران تقريبًا هما مدة حكم غير مستقر “للملك العادل الصغير”، وبَدء عصر حكم “الملك الصالح أيوب”.
“الملك الصالح أيوب” (637- 646هـ) (1240- 1249م)
السابع في سلاطين الدولة الأيوبية، وهو “الملك الصالح نَجم الدين أيوب”، ابن “الملك الكامل”، الذي ولاه أبوه أثناء حياته بلاد الشرق و “ديار بكر”، وامتدت ولايته عدة سنوات. ثم تتالت أحداث كثيرة إلى أن ملك حكم “مِصر” سنة 637هـ (1240م). ذكر المؤرخون في أمره: “و«الملك الصالح» هٰذا هو الذي أنشأ المماليك الأتراك وأمَّرَهم (صيَّرهم أمراء) بديار «مِصر»، وفي هٰذا المعنى يقول بعضهم:
الصالحُ المُرْتَضَى أيوبُ أكثرَ مِن تُرْكٍ بدولتِهِ يا شرَّ مجلـوبِ
لا آخـــــــذَ اللهُ أيوبًا بفَعْلتِـــــــــــهِ فالناسُ كُلُّهُمُ في ضُرِّ أيوبِ”
امتلأ حكم “الملك الصالح أيوب” بالمؤامرات والفتن؛ فقد أدرك أن “الأشرفية” (مماليك عمه الملك “الأشرف موسى”) يتآمرون عليه للتخلص منه، فأخذ يعمل على دحرهم وإفساد مخططهم؛ فيذكر “شمس الدين الذهبيّ”: “ثم تحقق «الصالح» (فساد) نيات «الأشرفية»، وأنهم يريدون الوثوب عليه؛ فأخذ في تفريقهم والقبض عليهم، فبعث مقدَّم «الأشرفية» وكبيرهم «أَيْبَك الأشقر» (في مراجع أخرى: «الأسمر») نائبًا على جهة، ثم سيَّر من قبض عليه، ثم مسكهم عن بَكرة أبيهم وسجنهم …”. كذٰلك قبض “الملك الصالح أيوب” على مجموعة من أمراء “الكاملية” وسجنهم بقلعة “صَدْر” قرب “أيْلَة”. ثم بدأ في بناء “قلعة الجزيرة” لتكون مقرًّا له، في جزيرة “الروضة”، وأنفق عليها أموالاً جزيلة وشيد بها ديار السلطان؛ وقد استغرق بناؤها ثلاث سنوات فلما اكتملت انتقل إليها وسكنها.
أما الأمور في “الشام” فلم تكُن مستقرة، إذ اتفق كل من “الناصر داود” و”الملك الصالح إسماعيل” و”الملك المنصور” حاكم “حمص” على الاتحاد ضد “الملك الصالح أيوب”. إلا أن صلحًا عُقد بين “الصالح أيوب” وحاكم “حمص” بشروط: أن تكون “دمشق” تحت حكم “الصالح إسماعيل”، وأن يُذكر اسم حاكم “مِصر” في الخطبة بكل من “حلب” و “حمص”، وأن يطلق سراح “الملك المغيث” ابن “الملك الصالح أيوب” من اعتقال “الملك الصالح إسماعيل” هو وأصحاب “الصالح أيوب”؛ فأطلقهم “الملك الصالح إسماعيل” طبقًا لهٰذا الصلح.
لٰكن الأمور ازدادت سوءًا لأن “الخوارزمية” (سلالة تركية حكمت أجزاءً من آسيا وغرب إيران) قد استولَوا على عدد من القلاع وخرّبوا البلاد، فيذكر عنهم “ابن تَغْري”: “وأما «الخوارزمية» فإنهم تغلبوا على عدة قلاع، وعاثوا (أفسدوا) وخرّبوا البلاد، وكانوا شرًّا (أشرّ) من التتار، لايعفون عن قتل ولا (عن) سبي، ولا في قلوبهم رحمة.”؛ وقد أرسل “الملك الصالح أيوب” إليهم يعلمهم أنه أقام الصلح مع عمه “الصالح إسماعيل” فقط لإنقاذ ابنه من أسره، وأنه ما يزال على عداوته معه، مؤكدًا أنه سوف يستعيد “دمشق” منه مرة ثانية؛ فعلِم “الصالح إسماعيل” بالأمر فرد “الملك المغيث” إلى سجنه مرة ثانية، وأوقف الخطبة لملك “مِصر”، وأرسل إلى “الناصر داود” واتفقا معًا مع حاكمي “حلب” و “حمص” على عداوة ملك “مِصر”. ثم أرسل “الملك الصالح إسماعيل” إلى الفرنج يطلب مساعدتهم في مقابل تسليمهم “القدس” و “طبرية” و “عسقلان”؛ وفي المقابل استعد “الملك الصالح أيوب” للحرب يعاونه “الخوارزمية”، و… والحديث في “مِصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ