يحتفل المَسيحيُّون اليوم فى العالم بعيد القيامة الذى يُعد أهم الأعياد المسيحية.
ويطلَق على هذا العيد عدد من الأسماء منها: «عيد القيامة»، «أحد القيامة»، «يوم القيامة»، «عيد الفصح»، وكلمة «فصح» مشتقة من كلمة «بَصْخة» والتى تعنى «عبور».
تحديد موعد العيد
يحتفل اليهود بعيد الفصح فى الرابع عشَر من نِيسان، فى حين يحتفل المَسيحيُّون بقيامة السيد المسيح فى الأحد التالى للفصح اليهودى حسب قرارات مجمع نيقية عام 325م.
وكان بطريرك الإسكندرية هو المنوط به تحديد موعد عيد «الفصح»- نظراً لشهرة كنيسة الإسكندرية البالغة فى العلوم الفلكية- فكان يُعلِم أساقفة الكراسى الأخرى بذلك فى رسالة كانت تُعرف باسم «رسالة الفصح».
وقد وضعت كنيسة الإسكندرية «حساب الأبُقطى»- حساب فلكى- فى القرن الثالث الميلادى فى عهد البابا «ديمِتريوس الكرام» الـثانى عشَر من بابوات الإسكندرية، وبهذا الحساب يُحدد موعد عيد القيامة، وكانت جميع الكنائس المسيحية فى أنحاء العالم شتى تلتزم به حتى عام 1528م. ولموعد الاحتفال بالعيد يراعَى: أن يكون العيد فى يوم الأحد موافقاً ليوم قيامة السيد المسيح، وأن يأتى بعد فصح اليهود، وبعد بَدء الربيع. وفى عام 1582م تبِعت الكنائس الغربية التقويم الجريجورى. ويأتى العيد موافقاً الشرق فى هذا العام، ويأتى أحياناً مبكراً عنه.
الاحتفال بالعيد
يستعَد لعيد القيامة بفترة طويلة من الصَّوم تنتهى بأسبوع الآلام الذى يحتفل فى نهايته بعيد القيامة. ويبدأ الاحتفال بالعيد فى ليلة سبت النور لتنتهى الصلوات مع بَدء يوم الأحد تَذكاراً لقيامة السيد المسيح فجر الأحد: «وبعد ما قام باكراً فى أول الأسبوع…».
مظاهر العيد فى الغرب
وكما ترتبط أعياد الميلاد ورأس السنة فى الغرب بشخصية بابا نويل، فإن عيد القيامة فى الغرب يرتبط بالأرنب والبَيض.
ويعود رمز الأرنب فى أوروبا إلى ما قبل المَسيحية عندما كانوا يعتبرونه رمزاً لإله الخصب الذى يُحتفل به مع بَدء الربيع. ولتزامن عيد الفصح والربيع، نُقل هذا الرمز إلى المَسيحيِّين الأوروبيِّين ومنهم إلى القارة الأمريكية.
وقد ظل استعمال الأرنب منتشراً فى ألمانيا حتى انتقل إلى أمريكا مع نهاية الحرب الأهلية هناك. وكان يُعتقد أن الأرنب هو من يُحضِر البَيض الملون مع بَدء الاحتفال بأعياد الفصح، ويقوم بإخفائه فى المنزل، لتصبح هذه الأسطورة تقليداً متبعاً فى المنازل حيث يوضع الأرنب فى كل بيت مع سلة تحتوى على البَيض الملون.
الاحتفال فى الشرق
أما احتفالات عيد القيامة فى الشرق، فنجد فيها الاهتمام بالبَيض الذى يحمل معنًى يرتبط بالقيامة. فهو يشير إلى إمكانية انبعاث الحياة من داخل البيضة، فمع أنها مغلقة بإحكام، إلا أن الكائن الحى داخلها يشقها مخترقاً إياها بقوته الذاتية رمزاً إلى قيامة السيد المسيح من القبر.
ارتباط عيد القيامة بشم النسيم
احتفل المِصرى القديم بشم النسيم مع بداية فصل الربيع، وكان يطلق عليه «عيد بعث الحياة». وأصل كلمة «شم النسيم» يعود إلى اللغة القبطية وتعنى «بستان الزروع». وكان الاحتفال بشم النسيم قديماً يبدأ بمراسم دينية يعقبها احتفالات شعبية يشارك فيها جميع المِصريِّين من طبقات الشعب كافة، فكانوا يخرجون إلى الحدائق والحقول ليُقضّوا يومهم احتفالاً ببعث الحياة مع قدوم الربيع.
وبعد انتشار المسيحية فى رُبوع مِصر، وجدوا أن الاحتفال يقع فى فترة الصوم الكبير، فجرى تغيير موعده إلى اليوم التالى لعيد القيامة. وقد صار هذا اليوم عيداً شعبياً يحتفل فيه المِصريُّون جميعاً بالربيع فى رُبوع البلاد كافة.
ومن الأطعمة التقليدية فى هذا اليوم: البَيض، والفسيخ، والبصل، والخس، والملانة. وقد ذكرنا أن البيض يرمز إلى انبعاث الحياة.
أما الأسماك، فكان المَسيحيُّون الأوائل يتناولونها مشوية كما تناولها السيد المسيح، وتلاميذه عند بحر طَبَرِيَّة بعد القيامة. وقد ذكر البعض أنه فى أحد عصور الاضطهاد مُنع بيع السمك لئلا يتناوله المَسيحيُّون فى هذا اليوم. إلا أنهم قاموا بحفظ السمك بالمِلح قبل يوم شم النسيم بمدة ليأكلوه فيه، ولم ينقطعوا عن هذه العادة إلى ما بعد أيام الاضطهاد.
أيضاً الفسيخ هو نوع من الأسماك يجرى حفظه من الفساد والتحلل بواسطة التمليح، وبذلك صار إشارة إلى السيد المسيح الذى اجتاز الموت دون فساد. أمّا البصل، فهو ينمو عن طريق دفنه داخل التربة، ومع ذلك فإنه يبقى حياً وينمو، ويظهر هذا فى فروعه الخضراء.
ومن القصص الجميلة التى ربطت بين عيد القيامة والبَيض قصة «چيمى» الذى وُلد بجسد وعقل معوَّقَين، فعمره كان اثنَى عشَر عاماً إلا أنه كان لايزال فى المرحلة الابتدائية. كان «چيمى» يدرس فى فصل بلغ عدد طلابه العِشرين، وبسبب إعاقته كان مصدر إزعاج دائم لمعلميه وزملائه إذ كان كثير الحركة والشغب وتصدر عنه أصوات غريبة، ولكنه كان قادراً على الحديث بوضوح.
ومع أن قدرته على التفكير أو التركيز ضعيفة، إلا أنه فى قليل من الأحيان كانت تبدو عليه القدرة على فَهم بعض الأمور كمن أضاء فكره المظلم شعاع عجيب من نور.
وفى يوم من الأيام، قررت المعلمة بحث أمر «چيمى» مع والديه، واقترحت عليهما نقله إلى مدرسة خاصة لصُعوبة استمراره مع أقرانه فى الفصل الدراسى إذ أن الفارق بينه وبينهم كبير لا يمكن تخطيه. كانت الكلمات قاسية على والدَى الطفل، فانسابت دموع الأم على طفلها فى حين تحدث الأب عن صُعوبة تنفيذ هذا المقترح وقسوته: فلا مدرسة خاصة قريبة منهم، وكذلك نقل «چيمى» إلى مدرسة أخرى يُعد صدمة له بسبب محبته الشديدة للمعلمة وزملائه.
ولم تجد المعلمة حلاً آخر سوى استمرار هذا الطفل المعاق فى الدراسة معهم، وقد تنازعتها عاطفتان: فهى لا تستطيع تحمل تصرفاته ووجوده معها فى الفصل، وفى الوقت نفسه هى أيضاً لا تستطيع مقاومة ضميرها كمعلمة إزاء إنسان لا ذنب له فى إعاقته الصحية أو العقلية. وأخيراً قررت المحاولة معه مرة أخرى. بدأت فى بذل كل جُهد لاحتوائه وتجاهل تصرفاته المستفزة، غير أنها كانت تشعر بالإخفاق الشديد. وفى أحد الأيام، فوجئت باقتراب «چيمى» من مكتبها قائلًا لها بصوت عالٍ إنه يحبها وهو ما أدهشها وأذهل زملاءه، فشكرته لكلماته طالبة منه العودة إلى مكانه.
ومع بَدء فصل الربيع والاحتفال بعيد القيامة، قصت المعلمة حكاية العيد على تلاميذ الفصل، ثم أعطت كل طفل منهم بَيضة من البلاستيك وطلبت منهم أن يُحضروها فى اليوم التالى بعد أن يضع كل منهم داخلها شيئاً يعبّر عن الحياة الجديدة.
وبينما هى تتحدث، نظرت إلى «چيمى» متساءلة فى نفسها عن مدى ما فهِمه من القصة أو ما طلبَته منهم. وفى اليوم التالى، حضر التلاميذ ووضع كل منهم البَيضة فى صَُندوق على مكتب المعلمة، التى بدأت تفتح كل بَيضة لترى داخلها الذى يعبّر عن الحياة. وجدت فى الأولى زهرة تشير إلى الحياة التى خرجت من البذرة المدفونة، وفى أخرى فراشة يمثل خروجها من الشرنقة حياة جديدة، وهكذا حتى فتحت بَيضة لدهشتها لم تجد فيها شيئاً! وأدركت المعلمة أنها لچيمى، معتقدة أنه لم يفهم طلبها.
تركت المعلمة البيضة جانباً لئلا تُحرجه. وبينما هى تبحث عن أخرى، سمِعت «چيمى» يسألها: لِمَ لم تشرحى معنى البَيضة التى أحضرتُها؟ أجابت المعلمة: إنها خالية من أى شيء، يا چيمى.
قال: نعم، إنها تمثل قبر المسيح الخالى. سألته المعلمة: أتعرف لماذا كان خالياً؟ أجابها: لأنه قام. وهنا انطلق الجرس يُعلن موعد فسحة التلاميذ لتجلس المعلمة متأملة فى كلمات «چيمى».
وبعد ثلاثة أشهر من تلك القصة.
مات «چيمى»! وكل من ذهب لزيارة قبره وجد هناك تسعَ عشْرة بَيضة وضعها زملاء فصله بعناية فائقة فوق قبره وجميعها فارغة، فى إشارة إلى أن «چيمى» لا بد له أن يقوم إلى الحياة الأبدية.
إن القيامة التى تؤمن بها الأديان تُعد رسالة قوية لكل إنسان لأن ينتبه لأهمية الحياة التى يعيشها، فهى تُعلن حقيقة أن حياة الإنسان رحلة ممتدة لا تنتهى، بدأت بميلاده على الأرض وتستمر فى السماء.
لذلك عليه أن يهتم بتقديم أعمال الخير والمحبة والود والرحمة، مقدِّماً كل عطاء لمن يلقاهم فى رحلة أيامه، وفى القيامة سيجد كل الخير الذى قدَّمه.
أهنئكم جميعاً بعيد القيامة وشم النسيم، مصلين إلى الله من أجل أن يعُم السلام والفرح جميع المِصريِّين، وأن تمتلئ بلادنا المحبوبة مِصر بكل خير وأمن.
وعن مصر الحلوة الحديث لا ينتهى…!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى