No Result
View All Result
يقولون: “العظمة في هٰذه الحياة ليست في عدم التعثر، بل في القيام بعد كل تعثُّر“؛ وهٰذا ما قدمه وما زال يقدمه المِصريون دائمًا على مر الأزمان. وإن كانت صفحات التاريخ قد شهِدت على أنالمِصريين صناع أعرق حضارة، فهي أيضًا بعينها الشاهدة أنهم صنعوا ما كان يراه العالم مستحيلاً!
أود أن أهنئكم جميعًا باليوبيل الذهبيّ لذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة، التي هزت العالم بأسره منذ ظهيرة السادس من أكتوبر سنة ١٩٧٣م؛ لتنطلق الكلمات من كل أرجائه معبرة عن عظمة المِصريّ المعروف بها طوال الأزمان؛ فها هي صحيفة Le Figaro الفرنسية: “إن «مِصر»، وخلفها سبعة آلاف عام من الحضارة، تشتبك في حرب طويلة المدى مع «إسرائيل» التي تحارب اليوم لكي تعيش غدًا …” .أمّا عن بسالة الجندي المِصريّ، فقد كانت مَحط حديث العدو قبل أن تكون مثار حديث العالم، حتى إن الچنرال “كالمان”، أحد القواد الإسرائليين في “سيناء”، قال: “إن القوات المِصرية تدخل «سيناء» من كل مكان، وفي كل اتجاه، وبكل الوسائل، بالطائرات المروحية، وبالقوارب، وسيرًا على الأقدام … إن هٰذه القوات تقاتل بشراسة وهي مسلحة بأحدث الأسلحة”. إن “حرب أكتوبر” لم تكُن مجرد معركة، بل كانت تاريخًا جديدًا يخُطه المصريُّون بعزائمهم ودمائهم. وتحضرني كلمات الكاتب الكبير “نجيب محفوظ”: “إن «٦ أكتوبر» ثورة، وليست معركة وحسب، فالمعركة صراع قد ينتهي بالنصر أو بغيره، ولكن الثورة وثبة روحية تمتد في المكان والزمان حتى تحقق الحضارة؛ إنها رمز لثورة الإنسان على نفسه، وتجاوزه لواقعه، وتحديه لمخاوفه، ومواجهة لأشد قوى الشر عنفًا وتسلطًا. إن روح أكتوبر لا تنطفئ، فقد فتحت لنا طريقًا بلا نهاية. ليس العبور سوى أول قفزة في تيار تحدياته.”.
إن هٰذه العظمة التي حققها المقاتل المِصريّ لم تكُن إلا انعكاسًا لتلك العزيمة التي امتلأت بها قلوب المِصريين، ولتلك المثابرة التي اتسموا بها على مر الأعوام حتى تحقق لهم النصر وعبروا حاجز الهزيمة، وكما قيل: “الإنسان الذي يمتلك العزيمة يكون واثقًا بنفسه، مؤمنًا بقدراته وإمكاناته، مما يؤهله للوصول إلى النتيجة التي يرغبها في النهاية”؛ وهٰذا ما صنعه المِصريُّون بقوة عزيمتهم وهميتحدَّون واقع الهزيمة، واثقين فيما وهب لهم الله من إمكانات وقدرات داخلية تستطيع صنع المستحيل،وهو ما قادهم إلى المثابرة والحفاظ على جَُِذوة التحدي في نفوسهم ملتهبة. وكما نعلم فإن الأعمال العظيمة لا تتحقق إلا بالمثابرة، وإن كان التوكل على الله هو نقطة الانطلاق التي تعلم المِصريُّون أن يبدؤوا بها، فالمثابرة طريقهم المعهود الذي لطالما كانوا يسلكونه، وكما قيل: “لا شيء ضروريًّا لتحقيق النجاح – بعد التوكل على الله – أكثر من المثابرة، لأنها تتخطى كل العراقيل”؛ في عمق المثابرة قدموا إلى العالم مشهدًا إبداعيًّا جديدًا، بعد أن تمكنوا من تحويل أفكارهم وجهودهم إلى إنجازات تحدث العالم بها وما زال، منها على سبيل المثال تحطيم أسطورة “خط بارليف”، كما قدموا أيقونة للشجاعة ترسمت في الأذهان، حتى إن الچنرال “شموائيل جونين”، قائد جيش إسرائيل في جبهة سيناء، قال: “كان الجندي المِصريّ يتقدم في موجات تِلْو موجات، وكنا نطلق عليه النار؛ وهو يتقدم! ونُحيل ما حوله إلى جحيم؛ ويظل يتقدم!! وكان لون القناة قانيًا بلون الدم؛ ورغم ذلك ظل يتقدم!!!”.
كل عام وجميعكم بخير. ونصلي إلى الله أن يبارك بلادنا الحبيبة “مِصر” ويحفظها من كل شر. وأود أن أختم بكلمات الكاتب الكبير “توفيق الحكيم”: “عبرنا الهزيمة بعبورنا إلى «سيناء».ومهما تكُن نتيجة المعارك فإن الأهم الوثبة فيها: المعنى أن «مِصر» هي دائمًا «مِصر»، تحسبها الدنيا قد نامت ولٰكن روحها لا تنام، وإذا هجعت قليلاً فإن لها هَبَّة ولها زمجرة ثم قيامًا!! سوف تذكر «مِصر» في تاريخها هٰذه اللحظة بالشكر والفخر”؛ نعم، إنها لحظات صنعت التاريخ، ويظل رجالات “مِصر” يصنعون التاريخ. و… والحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ

No Result
View All Result