No Result
View All Result
تحدَّثت في المقالة السابقة عن رسالة “المُظَفَّر قطز” للمغول ردًّا على رسالتهم التي لم تكن سوى إحدى سبل المغول لهدم العزيمة المصرية في مواجهتهم؛ إلا أن المصريين جميعًا اتفقوا على مواجهة الخطر المغولي والتصدي له؛ فعمل “المُظَفَّر قطز” على تدعيم الجبهة الداخلية إلى جانب الاستعدادات العسكرية. قرر “المُظَفَّر” أن يخرج لملاقاة المغول في فلسطين بدلاً من أن ينتظر قدومهم إلى مصر وتهديدهم للبلاد. ويذكر عدد من المؤرخون أنه كانت هناك بعض المدن الفلسطينية التي لا تزال تحت حكم الفرنج ومن أهم تلك المدن مدينة عكا؛ فأراد “قطز” تحييد الفرنج وتأمين ظهر الجيش المصري، فجاءت معاهدة عكا بين “قطز” و”الفرنج” وتتضمن هدنة مؤقته مع جيوش الفرنج وإمداد جيش المصريين بالمؤن والطعام أثناء تواجده في فلسطين، وأن أي خيانة لن تؤول إلا إلى حرب مع الفرنج.
وبعد دراسة الخطة العسكرية خرجت الجيوش المصرية وقد تجاوزت مائة ألف مقاتلإلى الصالحية، ثم سيناء مرورًا بالعريش حتى وصل إلى مشارف فلسطين؛ وقد جعل “قطز” على مقدمة جيشه “الظاهر بيبرس البُندُقداري” لبراعته في القتال.
وفي سهل “عين جالوت”؛ وضع “قطز” مقدمته وعليها الظاهر بيبرس في وسط السهل، ثم أخفى كل جيشه خلف التلال المحيطة بالسهل حتى قدم التتار واندفعوا إلى السهل معتقدين أن قوة الجيش هي مقدمة الظاهر “بيبرس” فقط؛ وتقاتلت الجيوش قتالاً عظيمًا في “عين جالوت”، حتى انتصر “الملك المُظَفَّر قطز” وانكسر المغول وقتل أميرهم “كتبغانوين” الذي فتح معظم بلاد العجم والعراق.
ثم توجه “المُظَفَّر قطز” إلى الشام وحرر بلادها من المغول، فقام بتحرير دمشق ثم حمص ومن بعدها حلب؛ ثم أعلن “قطز” توحيد مصر والشام تحت قيادته. رتب “قطز” أمور “دمشق”ثم استناب بها الأمير “علم الدين سنجر الحلبي الكبير”.
وبزوال الخطر المغولي تجددت النزاعات بين “قطز” ومماليكه المعزية من ناحية، وبين المماليك البحرية بقيادة الأمير “بيبرس” من ناحية أخرى. وكان “بيبرس” يتحيَّن الفرصة للتخلص من “قطز” لسببين، أولهما: رغبته في الانتقام لمقتل “أقطاي” الذي شارك “قطز” في قتله. وثانيهما: الجفاء الذي حدث بينهما نتيجة غضب واستياء “بيبرس” بسبب تراجع “قطز” عن وعده بأن يمنح “بيبرس” نيابة حلب حال انتصاره على المغول.
وفي طريق العودة إلى “مصر” وصل “قطز” إلى القصير – قرية الجعافرة مركز فاقوس بالشرقية- وكان قد اقترب من الصالحية حيث رحلت جيوشه إليها وأُعِدَّ الدهليز السلطاني بها؛ بينما بَقِي “قطز” مع بعض خواصه وأمرائه. وكانت جماعة من الأمراء قد اتفقوا مع الأمير “بيبرس” على قتل “قطز”، وقد حانت الفرصة عندما أراد “قطز” أن يمارس رياضة الصيد، فابتعد عن معسكره، فتقدَّم إليه “بيبرس” يطلب منه أمرًا فأجابه “قطز” إلى طلبه. حينئذ تظاهر “بيبرس” برغبته في تقبيل يد الملك، وقد كانت تلك إشارة لجماعة المتآمرين على قتله. فأمسك “بيبرس” بيد “قطز” ليمنعه من الحركة بينما انهال عليه الأمراء بسيوفهم وأسقطوه من فوق فرسه، وانهالوا طعنًا حتى تمكنوا من قتله،وكان ذلك في عام 658هـ (12260م). ودُفِنَ”قطز” أولاًفي المكان الذي قُتِل فيه؛ ثم نقل قبره بعد ذلك إلى القاهرة. وقد اتفق المؤرخون على أمر قتل “قطز” أثناء عودته في الصالحية، بينما اختلفوا في أمر من قام بقتله.
وذُكِر عن “المُظَفَّر سيف الدين قطز” أنه كان بطلاً شجاعًا مقدامًا حازمًا وحَسِن التدبير، لم يوصف بالكرم أو الشُّح بل كان متوسطًا في ذلك. وقد حكم مصر قرابة العام، وقُتِل بعد خمسين يومًا من معركة عين جالوت. وملك من بعده الملك الظاهر “بيبرس”.
وما زال الحديث في “مصر الحلوة”.. لا ينتهي!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافي القبطي الأُرثوذكسي

No Result
View All Result