حين ننظر في «الثورة» كمصطلح سياسى، نجد أنه يحدَّد بالخروج عن الوضع الذي يحياه شعب ما وقت قيام هذه الثورة لتغييره بدافع من عدم الرضا الشعبى في تطلع نحو الأفضل.
أمّا مفهوم الثورة فهو يتضمن قيام الشعب، بقيادة النُخب والمثقفين، إلى تغيير نظام الحكم بالقوة. ومع مضى العصور، صارت كلمة «ثورة» تحمل معنى التغيير من نظام إلى آخر يُقِرّ الحقوق والحرية ويوفر النهضة للمجتمع.
وعلى مر التاريخ بما فيه من ثوْرات، نجد أن كلاً منها قد حمَلت في طِيّاتها أهدافاً تسعى لتحقيقها، متفقة جميعها على «الحرية»، مع اختلاف أنواع هذه الحرية ومتطلباتها، وعلى «العدل».
ولتوضيح ذلك، سنُلقى نظرة سريعة مختصرة على تاريخ الثورات في العالم ومِصر:
■ الثورة الإنجليزية
بدأت الحرب الأهلية في «إنجلترا» عام 1642م، بين الملك «تشارلز الأول» وأنصاره وبين البرلمانيِّين لِما آلت إليه البلاد من اضطراب في الأوضاع السياسية والدينية والاجتماعية، وانتهت بانتصار البرلمانيِّين وإعدام الملك، ثم استُبدل بالمملكة «دُول الكومنولث» التي صار لورد «أوليفر كرومويل»، قائد قوات البرلمان، حامياً لها عام 1653م. وبعد وفاة «كرومويل»، عادت الملكية مع «تشارلز الثانى» في 1660م، وأدى عددًا من الإصلاحات منها الإصلاح السياسى، ونص الدُّستور على تولّى الملك والبرلمان معاً مقاليد الحكم، وقد بدأ العمل بهذا النظام بعد قرابة قرن من الزمان.
ثم شهِدت «إنجلترا» ثورة عام 1688م دُعيت «الثورة المجيدة»، وكانت ضد طُغيان الملَكية، إذ عُزل الملك «چيمس الثانى»، ونُصّبت ابنته «مارى» وزوجها ملكَين على «إنجلترا». وأصدر البرلمان في 1689م «إعلان الحقوق» الذي سرد ما فعله الملك المعزول تجاه الشعب، مشترطاً على كل من يمسك بمقاليد حكم البلاد عدم فعله أي عمل يؤدى إلى ظلم الشعب.
■ الثورة الفرنسية
بدأت الثورة الفرنسية عام 1789م، وكان هدفها الأساسى هو العدل والمساواة بين الطبقات. وقد استمرت تلك الثورة قرابة العشْر سنوات، ونجحت في تحقيق أهدافها بعد أن أزاحت عن كاهلها النظام الملكى واستبدلت به النظام الجمهورى.
■ الثورة الأمريكية
بدأت الثورة الأمريكية بسبب الضرائب الباهظة التي فرضتها «إنجلترا» على مستعمراتها في «أمريكا». وأصر الأمريكان على عدم دفع الضرائب إلا إلى مجالس المستعمرات التشريعية. فرُفعت الضرائب جميعها ما عدا «ضريبة الشاى». وفى عام 1773م، أقيمت «جماعة الشاى» في «بوسطن» التي ألقت بحاويات الشاى من السفن الإنجليزية في مينائها. وأصدر البرلمان الإنجليزى قوانين لإغلاق ميناء «بوسطن» ومعاقبة أهلها. وانطلقت شرارة الثورة، وقد صحبها دخول الجنود البريطانيون عام 1775م في مواجهة ضد متمردى المستعمرات من «مساتشوسيتس»، التي بدأ العمل على قمعها. إلا أن الثورة استمرت حتى عام 1787م عندما اجتمع مندوبون عن الولايات وأقروا دُستورًا للبلاد، وجرى اختيار «چورج واشنطن» رئيساً.
■ الثورة البلشفية في «روسيا»
بدأت عام 1917م بزعامة القائد «لينين»، وكانت تهدُف إلى تحقيق المساواة والعدل بين الشعب، وتم التخلص فيها من الحكم الملكى وقيصر روما.
■ الثورة الهندية
قاد الثورة في الهند الزعيم «غاندى» بين عامى 1930- 1931م ضد الاستعمار البريطانى في الهند، في مسيرة طويلة وناجحة من الحراك الشعبى الهندى إلى أن تحقق الاستقلال.
■ الثورة الصينية
قاد «ماو تسى تونغ» الثورة الصينية التي جعلت الصين أقوى البلاد الاقتصادية، معتمدًا على العمال ثم الفلاحين. وقد أسس «جمهورية الصين الشعبية» عام 1949م. إلا أن إطلاق طلبة للخدمة في الحرس الأحمر سبّب الفوضى في البلاد التي كانت مدفوعة تجاه حرب أهلية عام 1950م، لٰكنه انتصر في تلك الحرب، مانعاً حدوث تقاتل بين الشعب الواحد.
الثورات المِصرية
■ ثورة ضد الملك «بيبى الثانى»
إن أول ذكر للثورات في تاريخ مِصر يعود للأسرة السادسة ضد الملك «بيبى الثانى»، الذي تولى الحكم أكثر من تسعين سنة. انهار الأمن، وسادت الفوضى البلاد وأهملت القوانين، وزاد السلب والنهب بعد استقلال حكام الأقاليم بأقاليمهم واستبدادهم بالحكم. وقد عانى الشعب، آنذاك، الفقر والقهر والذل والجوع حتى انطلقت شرارة الثورة بين الشعب إزاء الطغيان والظلم. وقد ذكر المؤرخ «أبورى»، وهو يصف حال مِصر، في مقطوعة أدبية، في أثناء حكم الملك «بيبى الثانى»: «إن الناس قد جاعت وماتت من الجوع. ولأن الناس عاجزون عن دفن موتاهم، فقد نشطت صناعة «الدفن»… والعاجزون عن الدفن كانوا يُلقون الجثث في النيل… وهجم الناس على قبور الملوك… وهجموا على طعام الخنازير فلم يعُد أحد يجد طعاماً…». وقد عمِل المِصريون إضراباً عاماً شمَِل البلاد لكى تُشل حركة الاقتصاد فيُجبر الملك على تنفيذ مطالب الشعب.
■ الثورة ضد «الهِكسوس»
كانت بزعامة فراعنة الأسرة السابعة عشرة: الملك «سقنن رع الثانى نخو»، وابنه الأكبر «كاموس»، و«أحمس الأول». وكانت تهدُف أساسياً إلى تحقيق «حرية البلاد» من براثن «الهِكسوس» الذين استوطنَوا منطقتَى الدلتا ومنتصف مِصر وحكموا قرابة المئتى عام. ونتج عن تلك الثورة أن أصبحت العسكرية وبناء جيش مِصرى قوى قادر على صد هجمات الأعداء من الخارج أولوية أساسية بالنسبة إلى الحكام الفراعنة.
■ الثورة ضد الأشوريِّين والإثيوبيِّين
في عصر الأسرة الحادية والعشرين، بدأ ظهور قوى ليبية في مِصر، واستولى أحد أمرائها «شيشنق» على عرش مِصر، حتى إن الأسرة الثانية والعشرين التي حكمت البلاد كانت «ليبية». إلا أن ضعف نفوذ الحكام الذين أتَوا بعده أدى إلى انقسام البلاد وانفصال النوبة عن مِصر، ما أغرى الإثيوبيِّين بالزحف على مِصر من الجنوب، في حين هجم الأشوريُّون من الشَّمال. وقد انقسمت مِصر، آنذاك، إلى عدة أقسام ووِلايات صغيرة.
ومع انتهاء حكم الأسرة الرابعة والعشرين، أصبحت مِصر تحت حكم الإثيوبيِّين، مع استمرار هجمات الأشوريِّين وتوغلهم في البلاد، حتى نهض المِصريُّون بقيادة الملك «بسماتيك الأول»، فطردوا الحامية الأشورية من مِصر وتحررت من السيطرة الأجنبية الإثيوبية عليها، وكذلك توحَّدت البلاد على يديه. ومن نتائج تلك الثورة، أن أَولى «بسماتيك الأول» الجيش اهتماماً خاصاً فعمِل على تقويته إلى أن استعاد الجيش قوته، وقوِيت الحُدود المِصرية.
■ ثورة على الملك «أبريس/أرييس»
ثورة مختلفة جاءت من المِصريِّين على الملك «أبريس/أرييس» إذ كان معتمدًا على كثير من الأجانب في الجيش ما ساء المِصريِّين، فهبوا لمناهضته بثورة قادها أحد قواده ويُدعى «أمازيس» أسفر عنها تولى الملك «أحمس الثانى» حكم مِصر. وكانت الثورة تهدُف إلى رفض حاكم لا يرضى عنه المِصريُّون.
■ الثورة على الفرس
ثم جاء عدد من الثورات المِصرية ضد الفرس الذين احتلوا مِصر. فلم يصمُت المِصريُّون على ما فعلوه الفرس من ظلم وانتهاكات إلى جانب الاحتلال، حتى إنهم أطلقوا على سِنِى الحكم الفارسى «عهد الويلات». ومع أن تلك الثورات لم تستطِع أن تطرد الأعداء من البلاد، إلا أنها نجحت في الحكم إلى جوار الأسرة السابعة والعشرين الفارسية، إلى أن استطاع الملك «أميرتى» مهاجمة الفرس وطردهم حتى سوريا، معلناً الاستقلال.
■ الثورة العرابية
تُعد الثورة العرابية (1879-1882م) على «الخديو توفيق» والأوربيِّين، التي شمَِلت الشعب مع الجيش، من أهم ثورات مِصر في العصر الحديث، وكانت لسوء الأحوال الاقتصادية، والتدخل الأجنبى في شُؤون مِصر، مع الظلم الذي تعرض له المِصريُّون، وقد فشِلت بسبب تدخل «إنجلترا» و«فرنسا».
■ ثورة 1919م
بدأت الثورة بزعامة «سعد زغلول» بسبب ظلم الاحتلال البريطانى الشديد للمِصريِّين وبخاصة في أثناء الحرب العالمية الأولى، فقد صادرت قوات الاحتلال ممتلكات الفلاحين من ماشية ومحاصيل للمساهمة في تكاليف الحرب، وأُجبر الفلاحون على زراعة محاصيل تتناسب وحالة الحرب بأسعار بَخسة. كذلك جُنّد مئات آلاف من الفلاحين في «فرقة العمل المِصرية» في: «سيناء»، و«فلسطين»، و«العراق»، و«فرنسا»، و«بلچيكا»، وغيرها.
■ ثورة يوليو 1952م
بدأها الجيش، ثم انضم إليه الشعب لتُنهى الملكية بظلمها وفسادها وهى تحمل مبادئ ستة هي: القضاء على الإقطاع، والقضاء على الاستعمار، والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، وإقامة حياة ديمقراطية سليمة، وإقامة جيش وطنى قوى، وإقامة عدالة اجتماعية. ومن إنجازات تلك الثورة: تأميم قناة السويس، والتوقيع على اتفاقية الجلاء، وإقامة النظام الجمهورى وإلغاء النظام الملكى، والقضاء على الإقطاع، وإنشاء مراكز البحث العلمى، مع الاهتمام بالمستشفيات التعليمية. واليوم في مناسبة ذكرى ثورة «25 يناير» 2011م، نتقدم إلى المِصريِّين جميعاً بالتهنئة، وكذلك إلى رجالات الشرطة وقياداتها، وأفرادها في عيدهم الرابع والستين، ذاكرين شهداء الوطن، والجرحى والمصابين وأُسرهم، الذين قدموا حياتهم من أجل الوطن ورفعته.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى