No Result
View All Result
تحدثنا فى المقالة السابقة عن الثورة التى قامت فى مِصر بقيادة «مُحمد بن أبى حُذيفة»، التى دعت إلى خلع الخليفة «عثمان بن عفان» الذى قُتل فى عام 656م، بعد رفضه التنازل عن الخلافة. ثم خلافة «على بن أبى طالب»، وانقسام صفوف العرب عند أمره بعزل جميع الولاة الذين ولاهم «عثمان»، وقيام الحرب بينه وبين «معاوية بن أبى سفيان»، ثم مقتله عام 660م، وتولى «الحسن» الذى تنازل لـ«معاوية» عن الخلافة.
الخليفة «معاوية بن أبى سفيان»
وُلد «معاوية» فى «الخيف» بـ«مكة»، ولاه الخليفة «أبوبكر الصديق» قيادة الجيش فى إمرة أخيه «يزيد بن أبى سفيان». ثم صار واليًا على الأردن فى أيام الخليفة «عمر بن الخطاب»، ثم واليًا على «دمشق» حتى أصبح مسؤولًا عن حكم بلاد «الشام» جميعها فى عهد الخليفة «عثمان بن عفان»، ثم فى عهد «على بن أبى طالب» الذى أمر بعزله فتنازعا وتقاتلا. وبعد موت «على بن أبى طالب»، تنازل «الحسن بن على بن أبى طالب» لـ«معاوية» عن الخلافة حقنًا للدماء. وهكذا انتقلت الخلافة إلى البيت الأُموى بعد أن كان «معاوية» أميرًا على الشام عشرين عامًا.
ومع بدء خلافة «معاوية»، قام عليه شخص يُدعى «فروة بن نوفل الأشجعى» أثار أهل الكوفة عليه، فكتب إليهم طالبًا قتل «فروة» يقول: «لا ذمة لكم عندى حتى تكفونى أمره»، فقتله أهل الكوفة. ثم قام ضد الخليفة «معاوية» رجل آخر هو «معن بن عبد الله» من «محارب»، فقبض «المغيرة» على «معن» ولم يرغب فى اتخاذ أى قرار بشأنه حتى يسأل «معاوية» عن كيفية التصرف فيه، فأجابه الخليفة بأن يسأل الرجل عن إقراره بخلافة «معاوية»، فإن أقر بها يُطلقه. إلا أن «معن» لم يُقر بذلك فقتله «المغيرة». وقام أيضـًا ضد الخليفة «معاوية» رجل يدعى «أبا مريم»، ووقف «المغيرة» أيضًا ضده، حتى إنه أرسل رجاله يقاتلوه إلى أن تمكنوا منه.
ومع خلافة «معاوية»، بدأ يُعيد الاهتمام بفتح البلاد الأخرى وخصوصًا الخاضعة لدولة الروم، فأرسل حملات عسكرية لفتحها. ففتح «عقبة بن نافع» «غدامس» التى تُعد أحد أهم المراكز فى الصحراء الأفريقية الكبرى. كذلك قام «عبد الرحمن بن سمرة» بفتح «سجستان» مرة أخرى، فى حين أغار «راشد بن عمر» على «السند»، و«عقبة بن نافع» على «السودان» ومنها إلى «كورا»، و«رويفع بن ثابت» على «تونُس».
وكانت الحروب بين العرب والروم شديدة، حتى إن «معاوية» أعد جيشًا عظيمًا بقيادة «سفيان بن عوف» إلى «القسطنطينية»، فوصلها الجنود بالفعل ودخلوها وحاصروها. وفى أثناء الحصار، مات «أبو أيوب الأنصارى» الذى شهِد غزوتى «بدر» و«أُحد» وحرب «صفين». وقد هاجم العرب المدينة محاولين فتحها، إلا أنهم هُزموا أمام الروم. وقد تعرض جيش العرب فى أثناء ذلك الحصار للجوع والمرض، كتب عنه «يزيد بن معاوية بن أبى سفيان» شعرًا يقول فيه إنه لا يبالى بما تتعرض له الجيوش. فلما بلغ «معاوية» ما كتبه «يزيد» أصر على إرساله إلى أرض المعركة مع جيش كثير لمعاونة «سفيان»، إلا أنهم لم يستطيعوا دخول «القسطنطينية» وعادت الجيوش إلى الشام. ويذكر المؤرخون أن تلك هى المرة الأولى التى يتعثّر فيها دخول العرب إلى إحدى البلاد.
وقد بدأ عصر الدولة الأُموية فى مِصر مع ولاية «عمرو بن العاص» الذى تولى أمور البلاد حتى موته عام 664م ليلة عيد الفطر، ودفن فى «المقطم».
«عبدالله بن عمرو»
بعد موت «عمرو»، ولّى الخليفة «معاوية» على مِصر ابنه «عبدالله بن عمرو». وقد اختلف المؤرخون فى تولية «معاوية» إياه، فمنهم من قال إن «معاوية» هو من ولّاه أمور مِصر، ومنهم من ذكر أن «عمرو» استخلف ابنه قبل موته، كما اختلفوا أيضًا فى مدة حكمه لمِصر، فمنهم من ذكر أنها عامان، ومنهم من قال إن حكمه لم يتخطَّ بضعة أشهر.
«عُتبة بن أبى سفيان»
عزل «معاوية» حاكمَ مِصر «عبدالله بن عمرو»، وولّى أخاه «عُتبة بن أبى سفيان» من بعده، وقد أقام «عُتبة» فى الإسكندرية واستخلف (أناب عنه) «عقبة بن عامر الجهنى» فى مِصر، وبعد موت «عتبة» فى 665م، بعد حكم استمر قرابة العام، تولّى «عقبة بن عامر» أمر مِصر. وشهِدت تلك المدة اهتمام الخليفة «معاوية بن أبى سفيان» بأن تكون له السيطرة على البحر صدًّا لهجمات الروم، واستعدادًا لفتح «القسطنطينية»، فطلب من «عُقبة» أن يخرج بأسطول مِصرى ويفتح «جزيرة رودس» حتى يتسنى له السيادة على البحر. ثم عزله «معاوية» وولّى «معاوية بن حديج» بدلًا منه، وقد ذكرت مصادر تاريخية أخرى أنه ولّى «مسلمة بن مخلد». استمر «معاوية بن حديج» فى حكم مِصر ما يقرب من الثلاثة أعوام حتى عُزل وتولى «مسلمة بن مخلد».
«مسلمة بن مخلد»
يُعد «مسلمة» أول حاكم يجمع فى الحكم بين «مِصر» و«أفريقيا»، وقد اشترك فى فتح «مِصر» مع «عمرو بن العاص». اشتُهر «مسلمة بن مخلد» ببراعته السياسية وعدله واهتمامه بالزراعة والصناعة والعمارة فى «مِصر». كذٰلك عُرف عنه عطفه على القبط، وقد سمَح لهم ببناء كنيسة فى «الفسطاط» خلف «القنطرة». كذلك بنى مقياسًا للنيل، ودارًا لصناعة السفن، واهتم ببناء المساجد وإصلاحها.
وحدث فى أيام «مسلمة» أن «عبدالرحمن بن عبدالله بن عثمان بن ربيعة الثقفى» ويُشتهر بأنه «ابن أم حكيم»، وهى أخت «معاوية»، قد وُلّى حكم الكوفة ولم يُحسن معاملة أهلها، فثاروا عليه وطردوه منها، فعاد إلى خاله «معاوية بن أبى سُفيان» الذى أراد أن يوليه «مِصر»، فلقيه «معاوية بن حديج» فى طريقه إلى «مِصر» وأمره بالعودة إلى خاله، رافضًا حكمه على أهل مِصر قائلًا: «ارجع إلى خالك. فلَعَمْرى (أقْسم بدِينى)، لا تسير فينا سيرتك فى أهل الكوفة!».
لم يستطِع «عبدالرحمن» الدخول إلى مِصر، وعاد إلى الخليفة. ولحِق به «معاوية بن حديج» هناك، وتحدث إلى الخليفة برفض ولاية «عبدالرحمن» على مِصر، وقد لقِى «أم حكيم» أخت الخليفة التى لم ترحب به، فبادرها بقوله: «على رِسلكِ (رِفقك) يا أم حكيم! أما والله لقد تزوجتِ فما أُكرمتِ، وولدتِ فما أنجبتِ! أردتِ أن يلِى (يملِك الأمر) ابنكِ الفاسق علينا فيسير فينا كما سار فى أهل (الكوفة)، فما كان الله ليُريد ذلك، ولو فعل لضربْنا ابنكِ ضربًا يطأطئ منه!!». واستمر حكم «مسلمة» على مِصر حتى مات فى عهد خلافة «يزيد بن معاوية».
مبايعة «يزيد بن معاوية» خلفًا لأبيه
كان الخليفة قد ولى «المغيرة بن شعبة» فى حكم «الكوفة». وإذ وصل إلى سمع «المغيرة» أن «معاوية» يُريد عزله وتولية «سعيد بن العاص» بدلًا منه، قرر الذهاب إلى لقاء الخليفة، والاعتذار له عن عدم قبول الولاية فى «الكوفة» حتى يظهر أنه لا يرغب فيها. وعند وصول «المغيرة»، دخل على «يزيد» وحدثه فى أن يعقد أبوه الخلافة له ليتولى شؤونها من بعده، قائلًا: «… وأنت من أفضلهم وأحسنهم رأيًا وأعلمهم بالسُّنة والسياسة. ولا أدرى، ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البَيعة!». فأخبر «يزيد» أباه بما قاله «المغيرة» فالتقاه «معاوية» مستفسرًا منه عن قوله فأجابه «المغيرة» أنه يرغب فى الابتعاد عن التقاتل الشديد الذى يتسبب فى سفك الدماء للخلافة والحكم- كما حدث بعد مقتل «عثمان بن عفان»- وأضاف…. و…
وعن مِصر الحلوة الحديث لا ينتهى…!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
No Result
View All Result