تحدثنا في المقالة السابقة عن أهمية عدم إغفال أيّ عمل مهما كان صغيرًا؛ فالأعمال العظيمة والإنجازات الباهرة تُبنى على أدوار يراها البعض صغيرة، إلا أنه من دونها يفشل العمل برمته. فسِرّ النجاح يكمُن في أداء كل فرد لدوره بالتزام وجِدية نابعين من إيمان عميق بأهمية الأهداف التي يُرجى تحقيقها. وقد ذكرنا كلمات دكتور “روبرت شولر” مؤلف كتاب قوة الأفكار : “ابذُِل قُصارى جُهدك. وابدأ صغيرًا، ولٰكن فكِّر على مستوى كبير. وعليك باجتياز العواقب. واستثمر كل ما لديك. وكُن دائمًا مستعدًّا للتصرف وتوقع العقبات، ولٰكن لا تسمح لها بمنعك من التقدم.”.
فعلى من يرغب في النجاح: أن يسعى للمحاولة حين يعتقد في نفسه أنه لا يستطيع، وأن يتعلم حين لا يعرف، وأن يجرب قبل أن يقول إن الأمر مستحيل، وألا يتراجع حين يتسلل اليأس إلى نفسه. وتذكَّر الكلمات التي تقول: “الناجحون لا يتراجعون، والمتراجعون لا ينجحون.”؛ والمقصود هنا ليس الإصرار والعناد، إنما عدم اليأس وعدم التوقف عن المحاولة.
والنجاح يحتاج أن يكون الشخص في حالة استعداد دائم للتحرك والعمل واتخاذ المواقف؛ وهٰذا الاستعداد هو حالة ذهنية تُغرس في عقل الإنسان، ثم تتحول إلى سلوك في حياته. يُذكر عن رئيس البحْرية الأمريكية ـ وكان يُدعى “أدميرال بورتر” ـ أنه كان لديه أحد الضباط من الشباب، وكان لا يتأخر أبدًا عندما يدعوه قائده للعمل؛ فما إن يطلبه قائده حتى يَهُبّ ويستعد سريعًا ويذهب إليه بوجه ممتلئ بشاشة. وكان رئيسه سعيدًا من استجابته السريعة وسرعة أدائه في العمل وقتما وأينما يطُلب منه. وفي ذات مرة سأله: إن عملك وجَِديتك يجعلانني أرشحك لمنصب أكبر، ولٰكنني أرغب في معرفة شيء واحد فقط. سأله الشاب: وما هو، يا سيدي؟ رد قائده: ما سر تأهبك واستعدادك الدائمين؟ ابتسم الضابط قائلًا: لقد اعتدتُ أن أدرب نفسي على الاستعداد الدائم للعمل والاستجابة، فوضعتُ في فكري وقلبي أن أكون مستعدًّا للاستجابة لِما أُدعى إليه مهما كان السبب لذٰلك؛ وإن كنتُ نائمًا لا أتذمر بل أَهُبّ إلى العمل.
حين يضع كل إنسان في أفكاره ويعتاد في سلوكه أن يكون متأهبًا ومستعدًّا للعمل، يصبح الالتزام سمة حياته، ويتجه بخطى سريعة نحو النجاح. فالنجاح لا يعرف الكسل أو التباطؤ أو المبررات، وإنما يكمُن في استعداد الإنسان للاستجابة والعمل.
وبينما أنت تسير في طريق النجاح، تقابلك كثير من المواقف التي تكدر حياتك؛ تعامل إزاءها بثقة وثبات دون أن تكون طرفًا في تكرارها. يذكر أحد الأشخاص أنه كان متجهًا إلى المطار تُقِلّه إحدى سيارات الأجرة. وفي الطريق، إذا السيارة تنحرف بهم ليستخدم السائق الفرامل ويوقف السيارة بأعجوبة قبل الاصطدام! وبينما السائق المخطئ يصرخ فيهم، كان سائق السيارة الأجرة يبتسم له بود! فسأله الرجل: لماذا لم تؤنبه، لقد كاد يتسبب في حادث مرير؟! أجابه السائق: كثير من الناس يتحركون وهم يحملون داخلهم مشاعر الإحباط، والقلق، والغضب، والألم؛ ومع تراكم هٰذه المشاعر داخلهم يحاولون إفراغها في المواقف التي تعبُر بهم؛ فلا تعتبر الموقف شخصيًّا معك بل أنك كنتَ تمر وقت إفراغ هٰذه المشاعر فقط. ابتسِم، وتمنَّ لهم السعادة والهدوء، وانطلق في مسيرك. ولا تسمح لنفسك أن تحمل ما يُلقونه لتقوم بدورك في إلقائه على من تلاقيه. وختم السائق كلماته بأن الحياة أقصر من أن تضيع في تصرفات غاضبة. لا تنسَ أن تشكر من يعاملك باللطف، ولا تنسَ أن تدعو لمن أساء إليك.
وللحديث بقية …