حين يمسك الإنسان بقلمه ليخُط كلماته، فهي بحق نبضات الفكر الذي يجتاح نفسه، وكم تتأثر بما يمر به من مشاعر وأفكار وحَِيرة ومواقف، فتضحى انعكاسًا لما يعيشه! وربما يختلف حديث الإنسان إلى نفسه عن حديثه إلى الآخرين، إذ إنه في الأخير يحاول أن تتسع كلماته وأفكاره عن الذات لتقدم ما يمكن أن يعين الآخرين في مسيرة حياتهم. إلا أنه دائما يظل هناك جزء من أعماقنا في جميع ما نكتب.
في مقالة اليوم التي أخُطها لـ”جريدة صوت الأزهر” ـ بعد الدعوة الكريمة التي تلقيتها للكتابة فيها، أود أن أبدأ بتهنئة فضيلة الإمام الأكبر أ.د. “أحمد الطيب” شيخ الجامع الأزهر، وتهنئة إخوتنا المسلمين في العالم كله بمناسبة مرور ثمان سنوات على تعيينه شيخًا للجامع الأزهر ـ في التاسع عشَر من مارس عام 2010م ـ خلفًا للمرحوم الشيخ د.”محمد سيد طنطاوي”؛ وفي هذه المناسبة تحضرني كلمات مثلث الرحمات “البابا شنوده الثالث” حين أرسل برقية تهنئة، بعد صدور قرار رئيس الجمهورية بتعيين د. “أحمد الطيب” شيخًا للجامع الأزهر، جاء فيها: “صاحب الفضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور «أحمد الطيب» شيخ الجامع الأزهر: خالص تهانئي القلبية باختياركم لهٰذا المنصب الدينيّ الكبير، الذي تأهلتم له بشخصيتكم الفاضلة وعلمكم الوفير. ليكُن الله معكم يُعِينكم في كل مسئولياتكم. «البابا شنوده الثالث»”. وحقًّا تُقدم لنا حياة فضيلته رحلة بحث عن العلم والعمل الجاد في جميع ما أُسند إليه من مُهمات. حصل فضيلة الإمام على شَهادة “الليسانس” في العقيدة والفلسفة بعد التحاقه بـ”جامعة الأزهر”، ثم أتبعها بحصوله على درجة “الماﭽستير”، ثم “الدكتوراه” من الجامعة نفسها. تدرج د. “أحمد الطيب” في العمل الأكاديميّ حتى صار أستاذًا في العقيدة والفلسفة بـ”جامعة الأزهر”. تولى فضيلة الإمام مناصب كثيرة منها: “عميد كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية العالمية بباكستان”، وانتُدب “عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين” في كل من محافظتي “قنا” و”أُسوان”. وأيضًا شغَل منصب “مفتي جُمهورية مصر العربية”، ثم “رئيس جامعة الأزهر”، مع عديد من المُهمات الدينية الأخرى؛ وإلى جانب ذلك فهو “رئيس مجلس حكماء المسلمين”.
عَلاقات من المحبة والتآخي
اتسمت العَلاقة بين “الأزهر” و”الكنيسة” منذ تولي فضيلة الإمام الأكبر لمسؤوليات منصبه بالود والمحبة والتآخي: بدأت مع مثلث الرحمات “البابا شنوده الثالث”، وتستمر مع قداسة “البابا تواضروس الثاني” بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية؛ فلا تمر مناسبة احتفالية لدى الأقباط إلا ونجد فضيلته حاضرًا للتهنئة، كما في المناسبات والاحتفالات الإسلامية يتقدم قداسة البابا بالتهنئة؛ في حين نجدهما يتشاركان في جميع ما يختص بالوطن، فهما يدركان أهمية أن نكون معًا من أجل الوطن والإنسانية. وتتجلى أسمى حالات الصمود والتكاتف عند حدوث الأزمات والضيقات. ومن منطلق هذه المحبة والتآخي ظهرت فكرة “بيت العائلة المِصرية” لتصبح حقيقة على أرض الواقع.
“بيت العائلة المِصرية”
يُعد فضيلة الإمام الأكبر أ. د. “أحمد الطيب” شيخ جامع الأزهر هو صاحب الفكرة في إنشاء “بيت العائلة المِصرية”، حيث جاءت بعد واقعة “كنيسة سيدة النجاة بالعراق” في الحادي والثلاثين من أكتوبر عام 2010م، التي أعقبها الاعتداء على “كنيسة القديسَين بالإسكندرية” في الدقائق الأولى من غُرَّة عام ٢٠١١م؛ إذ كان من الواضح آنذاك أن تخطيطًا موجَّه إلى مِنطَقة “الشرق الأوسط” لإحداث فُرقة بين المسلمين والمَسيحيِّين، تعتمد على نشر فكر إرهابيّ مؤدّاه “رفض الآخَر”. فجاءت المبادرة الكريمة في أثناء زيارة وفد “الأزهر” برئاسة الإمام الأكبر أ. د. “أحمد الطيب” لمثلث الرحمات “البابا شنوده الثالث” في الثاني من يناير عام ٢٠١١م، لتقديم العزاء بعد واقعة “كنيسة القديسَين بالإسكندرية”، فعرض فضيلته الفكرة على “البابا شنوده” ولقيَت ترحيبًا من قداسته فوافق على الفكرة والمشاركة في تأسيس “بيت العائلة المِصرية”، وبدأ التنفيذُ العمليّ لتحقيقها؛ وهٰكذا تأسس “بيت العائلة المِصرية” هيئةً مستقلةً في عام ٢٠١١م، حيث يكمل المسيرة قداسة “البابا تواضروس الثاني” مع فضيلة الإمام الأكبر د. “أحمد الطيب”. ويهدُف “بيت العائلة المِصرية” إلى الحفاظ على النسيج الوطنيّ الواحد لأبناء “مِصر”، ساعيًا لتحقيق المحاور التالية:
• تأكيد القيم العليا والقواسم المشتركة بين الأديان والثقافات والحضارات الإنسانية المتعددة.
• بلورة خطاب جديد ينبثق عنه أسلوب من التربية الخلقية والفكرية، بما يناسب حاجات الشباب والنشء، ويشجع على الانخراط العقليّ في ثقافة السلام ونبذ الكراهية والعنف، وقَبول فكر “التعددية”؛ من أجل تعرُّف الآخر، وإرساء أسس التعاون والتعايش بين مواطني البلد الواحد.
• رصد الوسائل الوقائية واقتراحها للحفاظ على السلام المجتمعيّ.
وقد قام فضيلة الإمام الأكبر أ. د. “أحمد الطيب” بترشيح “بيت العائلة المِصرية” للحصول على “جائزة الإمام حسن بن علي للسلام الدُّولية”، حيث تسلمها في “أبو ظبي” كل من الأمين العام أ. د. “محمود حمدي زقزوق” وزير الأوقاف الأسبق، والأمين العام المساعد “أنبا إرميا”.
وهٰكذا يُبنى الوطن بأبنائه معًا.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ
الأمين العام المساعد لبيت العائلة المِصرية