No Result
View All Result
دائمًا وأبدًا يظل “أكتوبر”: صفحةً من التاريخ المِصريّ خطها المِصريُّون بعزيمة وإرادة حديديتين في عمل ومثابرة تحديا المستحيل، لوحةً رسمتها أيدٍ مِصرية لا يفنى جمالها ولن ينضب عطاؤها عبر السنين والأزمان، أنشودة حب للوطن عُزفت موسيقاها وصيغت كلماتها بدماء أبطالها؛ حتى إن صحيفة “لو ڤيجارو” الفرنسية قد كتبت إبان “حرب أكتوبر“: “إن «مِصر» ـ وخلفها سبعة آلاف عام من الحضارة ـ تشتبك في حرب طويلة المدى مع «إسرائيل» …”!
أكتوبر الإرادة
حين رأى العالم أنه ضرب من “المستحيل” واعتقد أنه “لا يُقهر”، هبّ التحدي المِصريّ النابع من إرادة لا تلين وعزيمة لا تهدأ، فجعل من “الخط الذي لا يُقهر” المعدود عبوره لونًا من الخيال، ومن القناة التي حُسبت مقبرةً لكل من يحاول نزولها، لقد صمد المِصريّ بصبر وعمل وكفاح حتى حطم تلك الصورة التي طالما كان يصدرها العدُو؛ ليعترف العالم بقدرة المِصرييِّن على صنع المستحيل. صار الصرح الذي “لا يُقهر” كومة من التراب تنهار أمام أعين من ظنوه مستحيلاً!! وهٰكذا أثبت المِصريّ ـ كعهده وعادته ـ أنه قاهر المستحيلات ومحطم الأساطير وقدم للعالم أسطورة حقيقة “المِصريّ الذي لا يُقهر”، حتى قيل: “إن من أهم نتائج «حرب أكتوبر ١٩٧٣م» أنها وضعت حدًّا لأسطورة «إسرائيل» في مواجهة العرب …”.
على الرغم من أن عبور “قناة السويس” كان إحدى المهام الصعبة إلى أقصى درجة، بثمن ربما هو العمر بعد أن تتحول في أية لحظة إلى بحيرة من النيران، فإن سعي الأبطال المِصريِّين في العمل لأجل تحقيق العبور لم يكلّ، والجميع كانوا أبطالاً وعلى قدر المسؤولية. إن ذكريات ذٰلك اليوم المجيدتحمل لنا مشهد المقاتل المِصريّ وهو يعبر أصعب مانع مائيّ، حاملاً علم بلاده ورافعًا إياه على الضفة الشرقية.
أكتوبر الأمل
لم يتوقف الأمل في قلب كل مِصريّ عن تحقيق الانتصار على الرغم مما كان يحدث من دعاية ممنهجة لا تتوقف ـ بعد هجمة ١٩٦٧م وفي أثناء “حرب الاستنزاف” ـ عن تفوق “إسرائيل” العسكريّ و”الجيش الذي لا يُقهر”. لقد كان بمقدور تلك الدعاية التي صدقها العالم أن تُحبط عزيمة المِصريِّين وتُفقدهم الأمل في تحقيق النصر،لٰكنهم لم يستسلموا لها. كانت جميع المحاولات لإفقاد المِصريّ ثقته بنفسه، حتى إنني أتذكر أنه في أثناء “حرب أكتوبر” ألقى الجُنود الإسرائيليُّون منشورات من طائراتهم على جُنودنا وبها صورتان: الأولى لأحد الجنود حاملاً زميله الجنديّ ميتًا وعائدًا به إلى أسرته التي تبكي، والثانية لعودة جنديّ وهو حيّ إلى أهله المستقبلين إياه بفرح، وعبارات تقول: “الحل في يدك للرُّجوع إلى أولادك وأهل بيتك: مثل هٰذا (وسهم يشير إلى الجنديّ الميت)، أو مثل ذاك (وسهم يشير إلى الجنديّ الحيّ). ارمِ سلاحك! واتجِّه نحو الغرب إلى اتجاه قناة السويس.”. وبدلاً من وقوع قلوب أبطالنا في براثن اليأس ، تأججت بداخلهم مشاعر حب الوطن؛ لينتصر الأمل ويتحقق النصر، ويرى العالم بأسره مشهدًا حقيقيًّا لعدم استسلام الجندي المِصريّ ومثابرته في استعادة حرية وطنه. وكأنها رسالة تقول إلى كل مِصريّ: إنك تستطيع أن تقهر ما يعترضك من صعاب بل ما يُعد مستحيلاً: عندما تستلهم قوتك من حب الوطن.
أكتوبر الهدف
لقد وضع أبطال “مِصر” صوب أعينهم هدفًا واحدًا، وظلوا عاكفين على تحقيقه سنوات طوال على أسس علمية دقيقة، في عمل دؤوب حتى كان لهم ما سعَوا إليه. وفي طريق النصر، كان المِصريُّون جميعًا شعبًا واحدًا، يتكاتف معًا وقت المِحن والضيق، وتتشابك أياديه متشددةً وقت البناء والعمل، ويبذُل الدماء في حب وطنه. ونرى كثيرًا من نماذج الأبطال الذين قدموا مشهد الشعب الواحد المحب لـ”مِصر” فيرسُم التاريخ لنا أيقونات: مثل الفريق الأول “فؤاد مُحمد أبو ذكري” أحد قادة القوات البحْرية المِصرية البارزين وأحد المخططين البارعين للعمليات الحربية البحْرية وأهمها “تدمير المدمرة إيلات” ذٰلك القائد الذي أعاد بناء القوات البحْرية وقادها في “حرب أكتوبر ١٩٧٣م”، والفريق “فؤاد عزيز غالي” رئيس عمليات “الفرقة الثانية مشاة” في عام ١٩٥٦م وقائد الفرقة “١٨ مشاة” التي كُلفت اقتحام “قناة السويس” وتحرير مدينة “القنطرة شرق” في “حرب أكتوبر” ١٩٧٣م، والفريق الأول “عبد المُنعم رياض” أحد شهداء حرب الاستنزاف الذي وضعت مِصر يوم استشهاده في التاسع من مارس عام ١٩٦٩م ذكرى وطنية لكل شهيد: باسم “يوم الشهيد”،والرقيب “مُحمد فوزي ناجي سالم البرقوقي” الذي بات الشهيد الوحيد في العمليات التي شنتها القوات المِصرية لتدمير الناقلة البحْرية “بيت شيفع” الحاملة سَبْع مدرعات برمائية.
ومن الأبطال الذين لا تنساهم “مِصر” أيضًا بطل الصاعقة “معتز الشرقاوي” الذي احترف التخفي والقيام بعمليات كثيرة على العدُو: منها عملية “لسان بورتوفيق” عام 1969م، وقد شارك في “حرب الاستنزاف” و”حرب أكتوبر”؛ وأطلق العدُو عليه: “شبح يحارب اليهود”! ويستكمل المِصريُّون مسيرة حبهم لبلادهم في أكتوبر المجيد: فتمر بنا السيرة العطرة للُّواء أركان حرب “شفيق متري سدراك” القائد الأول للُواء المشاة عبر القناة بـ”الفرقة ١٦” بالقطاع الأوسط من “سيناء” للجيش المِصريّ الذي يقدم حياته فداء “مِصر” ليُستشهد في رابع أيام حرب النصر، والرقيب “سيد زكريا خليل” بطل “سلاح المظلات” الذي أطلقت عليه الصحف الأجنبية “أسد سيناء” والذي استطاع وحده إيقاف كتيبة كاملة من الجيش الإسرائيليّ بعد استشهاد باقي فصيلته في الحرب!! وتتعدد البطولات، ولا تسعفنا الكلمات أمام تلك البطولات الكثيرة التي يصعب حصر أبطالها.
أهنئ المِصريِّين جميعـًا بالذكرى الخامسة والأربعين لانتصارات أكتوبر المجيدة، متمنيًا لـ”مِصر” ولشعبها العظيم السلام والخير والرخاء، وكل عام وجميعكم بخير.
No Result
View All Result