No Result
View All Result
تحدثنا في المقالة السابقة عن مبدأ “العمق” الذي يمكّن من اكتشاف اللآلئ وكل ما هو ثمين وقيّم في الحياة؛ فقدمنا لأهمية أن يكون الإنسان عميقًا في فكره.
عُمق الاستماع
عمق آخر في حياة الإنسان اسمحوا لي أن أطلق عليه “عُمق الاستماع”، ذٰلك العمق الذي يتخطى الأحرف والكلمات إلى فَهم ما يقوله الآخر وإدراكه. كُن عميقًا في استماعك إلى كلمات البشر، ولا تتوقف عند كلمات أصدروها في انفعال أو غضب، بل حاول أن تتخطى ذٰلك الانفعال لتُدرِك ما هي المشكلة الحقيقية التي تلاقيهم؛ فإنه يوجد من لا يجيد التعبير، وآخر يتصنع الألم وهو عابث، وثالث يتألم وهو يحاول أن يرسُِم ابتسامة!
وغالبًا ما نجد الإنسان العميق في فكره عميقًا أيضًا في استماعه وتفهمه للآخرين. إن العمق في الفكر يمكنك من تجاوز الأمور السطحية والطارئة وغير الحقيقية لتستطيع أن تسمع تلك الكلمات التي يقصدها محدثك؛ سواء تمكن من التعبير عنها أو أساء التعبير أو لم يذكرها، لٰكنها تُطل من بين ثنايا حديثه؛ وربما هو نفسه لا يُدرِكها! يقولون: “من لا يفهم صمتك لن يفهم كلماتك مهما تحدثت”!
والعميق في استماعه تجده منصتًا باهتمام لمحدثه، ولا يقاطعه حتى ينتهي من التعبير عن أفكاره ومما يريد قوله، وإن التبس عليه معنى كلمة أو تعبير يتساءل ويحاول أن يُدرك المعنى الذي قصده محدثه لا ما توارد إلى ذهنه. إننا علينا أن نُدرك أن كل إنسان يمتاز عن غيره بما مر به من مواقف وأحداث في حياته أكسبته خبرات تختلف عنها في الآخَر، وقد تُعطي مفهومًا مختلفًا للكلمات ومدلولاتها؛ لذا تجد الشخص العميق في استماعه يسعى لفَهم ما يقصده الآخرين.
أيضًا العميق في الاستماع هو إنسان يريد أن يفهم الآخرين، فإن إحدى مشكلات عصرنا الحديث أنه لا يوجد من يستمع إلى الآخر من أجل الفَهم والتواصل، وأصبحت الأحاديث والحوارات من نوع ـ كما يُطلق عليها: “حوار طرشان”! أيِ الجميع يتحدث ولٰكن لا أحد يحاول أن يستمع للآخر إذ فكر كل منهم ينطوي على مَهمة إعداد الرد!! يقول الكاتب الأمريكي “ستيفن كوفي”: “معظم الناس لا يستمعون بهدف الفَهم! ولكن يستمعون بهدف الرد.”؛ في حين إن حاول الإنسان أن يستمع إلى الآخرين وفهِمهم ودخل في تواصل معهم لتمكَّن من تحقيق عَلاقات طيبة وروابط مودة بمن يلتقيه في الحياة في تفهم وتفاهم والمحبة.
إن عَلاقة راسخة بين الاستماع والحكمة، فيقول الكاتب الأديب الطبيب الأمريكي “أوليڤر هولمز”: “الكلام من اختصاص المعرفة، أما الاستماع فهو امتياز الحكمة”.
وللحديث بقية …
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ
No Result
View All Result