تتلاحم الأيام المبهجة لتحيا مِصر أزمنة بهية سعيدة؛ فنحتفل فى هذه الأيام بعدد من المناسبات السعيدة. فقبل أيام كانت أسرة تحرير «المصرى اليوم» تحتفل بعيدها العاشر؛ وغدًا يمر عام على ذكرى ثورة الثلاثين من يونيو 2013م مع بَدء شهر رمضان. لذا أنتهز هذه الفرصة لتهنئة المِصريِّين بهذه الذكرى. وأبدأ أولًا بالتهنئة للشعب المِصرىّ بحلول شهر رمضان أعاده الله على مِصر والمِصريِّين بكل خير وسلام.
عشَرة أعوام
امتدت رحلة صاحبة الجلالة «الصحافة» قرونًا عدة حاملة إلى العالم آفاقًا جديدة؛ كانت تَسبح فى الخيال ليصبح واقعًا نتلمسه فى الحياة يومًا بعد يوم. فعند صدور «الوقائع المصرية»، أول جريدة مِصرية عربية، فى الثالث من ديسمبر 1828م، التى ساهم فى تحريرها آنذاك قادة الحركة الفكرية فى البلاد، بدأت الصحافة تشق طريقها إلى فكر وقلب المواطن المِصرىّ من خلال لمسها بعمق لحياة المِصريِّين، والأحداث، والمشكلات التى تمر بهم. ثم تلمست الصحافة بابًا للانفتاح على العالم بأسره لتصبح كما أطلق عليها البعض «السلطة الرابعة» لِما لها من دَور وأثر فعال فى الرأى العام.
ومع احتفالات جريدة «المصرى اليوم» بعيدها العاشر، يُسعدنى أن أهنئ أسرة تحرير الجريدة وجميع العاملين بها ومؤسسيها على ذلك العطاء الذى امتد طَوال السنوات العشْر فى عالم الصحافة. فقد عمِل طاقَم العمل بكل محبة وجُهد وإيمان برسالته نحو مِصر، فى ظل ظروف دقيقة مرت بالوطن، وتغيرات شابت المجتمع المِصرى؛ ليبرُز الدَّور الذى قدَّمته ويزداد يومًا بعد يوم بريقًا وازدهارًا؛ ولتتقدم «المصرى اليوم» بخطى سريعة نحو تأكيد تأثيرها فى المواطن المِصرى كواحدة من أدق الجرائد اليومية وأصدقها؛ التى تقدم إلى قارئها المعرفة التى يبتغيها والكلمة بأمانة وحرية رأى.
وقد استطاعت الجريدة أن تتخطى العثرات سريعًا مع انطلاق بدايتها فى 2004م، فى وقت كان يُعَد إصدار صحيفة يومية واحدة من أصعب المهام بل مستحيلة النجاح؛ لتحقق انتصارًا على ما لاقته من تحديات؛ وليتحول الحُلم إلى حقيقة ملموسة على أرض الواقع تتردد أصداء نجاحه فى المجتمع كله، بل فى الوطن العربيّ، مع صدور أول أعدادها فى السابع من يونيو 2004م.
ومع التغيرات التى شهِدها المجتمع المِصرى فى الأعوام من 2004م-2014م، جاءت إطلالة «المصرى اليوم» على بلادنا مِصر لتقف فى الصدارة إلى جوار المواطن المِصرى، مقدمة عطاءً مميزًا تعكس به نبض الأحداث على صفحاتها. لقد بدأت الجريدة بشعار اتخذته لنفسها مدركة حق كل مِصرى فى المعرفة وفى العيش فى وطن حر فكان: «من حقك أن تعرف»؛ لتنطلق فى كل صَوب وجهة مقدمة تلك المعرفة إلى كل من ينشُدها على أرض هذا الوطن. فلم يجد المِصريُّون بديلًا إلا أن يتفاعلوا بمحبة وصدق نحو هذا العمل الجليل الذى اجتاح أعماق الوجدان الإنسانى، وأشبع ظمأ القارئ إلى ما يرغبه. وقد ظهر هذا الدور جليًّا فى تتبع الجريدة الكامل للأحداث الجليلة فى أثناء ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، ثم امتدادها إلى ثورة الثلاثين من يونيو 2013م، محافظة على حيادها ومصداقيتها ورزانتها فى عرض الأحداث.
كذلك أقدم تهنئة إلى الجريدة على ذلك العدد الكبير والمتنوع من الكُتاب، والكتابات، والأفكار التى حفَلت بها صفحاتها الغراء لتُرضى أذواق قرائها ومتطلباتهم، مع عديد من الكتاب المشاهير الذين أثرَوا الفكر بما قدموه من كتابات عميقة ومتنوعة. لقد وضعت الجريدة نُصب أعينها المواطن المِصرى، وسعت إليه بكل احترام؛ لتلقى كل احترام وتقدير من قرائها، وتصبح «جريدة لكل المِصريّين»، معبِّرة عن الجميع بلا تمييز.
أيضًا قدمت الجريدة كثيرًا من الانفرادات التى جذبت اهتمام القارئ؛ منها: صور وأخبار لما حدث فى عام 2007م، وانفرادها بأول حديث صُحَفى مع سيادة الفريق الأول «عبد الفتاح السيسى» آنذاك ـ فى 2013م وحاليًا رئيس جمهورية مِصر العربية. كذلك لم تتوقف الجريدة عن نموها، بل امتدت إلى قطاعات كبيرة عبر الوسائل الإلكترونية الحديثة؛ لتصبح لها طبعة إلكترونية تنافس بقوة، ويتابعها الملايين عبر شبكات الإنترنت. ولم تتوقف عند هذا، بل خاطبت العالم من خلال إصدار نسخة إلكترونية إنجليزية لتصبح صوتًا تتردد به أصداء الصوت المِصرى فى العالم. ويضاف إلى هذا النجاح والامتداد الكتاب الدورى الذى تُصدره الجريدة.
وإخلاصهم بدت واضحة فى كل ما قدِّم من أعمال وكتابات؛ فجاءت نتيجة ذلك ثقة القارئ المِصرى، والعربى، وانطلقت إلى العالمى؛ وهذه الثقة هى التى تَحفِزها إلى الاستمرار بخطى واثقة نحو المزيد والتميز.
لقد سارت الجريدة على درب شاق صانعة لها طريقًا نحو القمة؛ لتظل هناك قابعة على قمة صاحبة الجلالة «الصحافة» فى تجرِبة فريدة من نوعها؛ لتتحول من حُلم، إلى رفض، إلى أشواك فى الطريق، إلى نجاح صنع لها مكانًا على القمة فى خلال عِقد واحد من الزمان!
إلى مزيد من النجاحات والتألق وسعة الانتشار فى الأعوام القادمة، مع توسع فى الإصدارات. وكل عام وأسرة «المصرى اليوم» بخير..
ثورة شهد لها العالم
عاشت مِصر على مر عصورها ثوْرات عديدة، انعكست فيها شخصية المِصرىّ العظيمة الباحثة عن الحرية والاستقلال؛ فالشعب الأبِىّ لا يرضى بالذل أو الاستعباد أو الخنوع. فمع الصبر الذى يتحلى به المصريُّون عند مواجهة الضيقات، إلا أنهم لا يستسلمون، وبينما هم كذلك إذ تجدهم يهبون نافضين عن كاهلهم غبار السنين منطلقين نحو حريتهم التى لا تضاهيها كنوز العالم بأسره. ففى رحلة مِصر عبر التاريخ لا يرضخ الشعب أمام الحاكم الذى يتهاون بحق البلاد.
يُعوزنى كثير من الوقت لأكتُب عن ثوْرات قامت ضد الظلم والغدر بالشعب المِصرىّ لتصنع لوْحات تُبرز صلابتهم وأصالتهم؛ فتجدهم تارة يثورون ضد عدو غادر طمَِع فى الاستيلاء على الأراضى المِصرية، وتارة ضد «الهكسوس» ليُطردوا بعد ما يقرب من قرنين من الزمان. وتمضى الأيام، ويُعوز الأمم أن تُدرك من صفحات التاريخ ماهية المِصرىّ وإباءه أن تُسرق منه حريته أو أرضه. فتتوالى الثوْرات ضد «الفرس» حتى تنعَم البلاد باستقلالها. ثم أجدنى أتحدث عن الشعب الثائر على الحملة الفرنسية حتى غادرت البلاد تجر معها أذيال الفشل. والثوْرات التى تابعت الاحتلال البريطانىّ للبلاد حتى نعِمت بالحرية والاستقلال فى 1952م. لتمر الأيام ويُثبت المِصرىّ جدارته فى الدفاع عن حقه فى الحياة الكريمة فى ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م، وامتدادها إلى ثورة الثلاثين من يونيو 2013م.
وفى ذكرى هذه الثورة، التى أبهرت العالم بأعداد الملايين التى خرجت إلى الشوارع تطالب باستعادة كرامتها أتوقف عند بعض النقاط:
تميزت ثورة الثلاثين من يونيو 2013م بأنها كانت:
■ ثورة خرج إليها ملايين المِصريِّين فى بقاع الأراضى المصرية شتى؛ فكنتَ تشهد الحدث نفسه يتكرر فى كل مكان على أرضها بالحماس والكلمات والصرخات نفسها؛ فتشعر كأنك أمام رجل واحد قام يدافع عن بلده المحبوب.
■ ثورة تكاتف فيها الجميع حتى تشعر أنك أمام طوفان هائل من الثائرين تجمعهم محبتهم لبلادهم. وكأنهم أمواج تتلو أمواجًا تكتسح الطرق والميادين لترد لمِصر بهجتها وأمنها. ويقف العالم مشدوهًا أمام المِصرىّ الذى يستهين بالموت ويحلو له أن يتحدى الكَون من أجل بلاده.
■ ثورة استعادت العلاقات التى حاولوا تشويهها بين فئات الشعب المتنوعة؛ فتجد فيها ذلك التلاحم العميق بينهم جميعًا، فلا فرق بين شخص وآخر؛ الجميع فى بوتقة واحدة ذابت فيها جميع الخلافات وجمع بينهم «حب مصر».
■ ثورة أظهرت إصرار الشعب على ألا تُسرق منه حريته وكرامته أو أرضه.
■ ثورة تقول إلى العالم: «انتبهوا أيها السادة»! فمِصر ما زالت وتظل أبية، شامخة عبر تاريخها.
■ ثورة شعبية مكتملة الأركان انحازت فيها القوات المسلحة المصرية لإرادة الشعب وليس العكس؛ فالشعب هو مصدر الثورة وصاحب الإرادة والقرار؛ واستجابة لمطالبه سانده جيش مِصر.
أهنئ المِصريين بذكرى ثورة الثلاثين من يونيو متمنيًا لبلادنا كل عزة وكرامة ومجد وكرامة. حفِظ الله مصر من كل شر. وعن مِصر الحلوة الحديث لا ينتهى…!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافىّ القبطىّ الأُرثوذكسىّ