أهنئكم بـ”عيد القيامة” الذي يحتفل به مَسيحيو الشرق اليوم، راجيًا أن يُديم الله على “مِصر” والمِصريين الخير والبركات والسلام، وأن يَعُم بالسلام على العالم بأسره، ويرفع الوباء وكل شر.
حين نحتفل بـ”عيد القيامة”، نتذكر أمورًا مهمة في حياتنا: فالقيامة تذكرنا بيوم القيامة العامة الذي يقوم فيه جميع البشر أمام كرسيّ الله، الذي سيدين كل إنسان بحسب ما قدم في حياته من أعمال. والحكم في الدينونة هو لله العارف خفيات القلوب وأفكار البشر وأعمالهم جميعًا؛ إن حكمه هو العادل والنهائي لرحلة حياة أرضية طالت أو قصرت في الزمان. وهٰكذا تضع القيامة دائمًا نصب أعيننا ذٰلك اليوم الرهيب الذي ستُكشف فيه كل الأمور؛ لذٰلك علينا أن نهتم في حياتنا بالعمل من أجل الاستعداد لذٰلك اليوم وتلك الحياة الأبدية التي تنتظرنا. وأتذكر عبارة جميلة قرأتها: “نحن في الدنيا في امتحان، وفي أيّ لحظة قد تُسحب ورقتك، وينتهي الوقت الذي خصصه الله لك. فضلًا، ركز في ورقتك واترك ورقة غيرك!”.
والاستعداد له شقان وثيقان: الأول اهتمام الإنسان بحياته، والثاني أمانته فيما أُوكل إليه من مسؤوليات سيحاسَب عنها في يوم الدينونة. واهتمام الإنسان بحياته لا يعني أن يحياها في رفاهية العيش وكفى، بل أن يهتم بوصايا الله من تقديم الخير والسلام لمن حوله، وأن يهتم بالمواهب والعطايا التي منحه الله إياها باستثمارها في أعمال الصلاح. لقد مُنح كل إنسان منا نعمة الحياة، وإلى جانبها مواهب تتميز بها شخصيته؛ وفي إرادته الحرة يختار في حياته طريقًا، ينتهي بعبوره جسر الموت إلى تلك الحياة الأبدية. إنها رحلة واحدة: تبدأ بالميلاد، ثم تجتاز الموت عابرة إلى الحياة الحقيقية: الحياة الأبدية. وقد كان محور تعاليم السيد المسيح هو الاهتمام بمؤهلات تلك الحياة الأبدية: من إيمان، وتوبة، ومحبة، ووداعة، وصبر، وشكر، و… إلخ. ويكون استعداد الإنسان ليوم الدينونة واضحًا في سلوكه وأعماله وأيضًا كلماته، فنراه يهتم في كل لحظة من عمره باستثمار مواهبه ووزناته، وبتقديم كل أنواع الخير، وأيضًا لا يستسلم للمشاعر السلبية من كراهية وحقد وحسد، مبتعدًا عن المشاحنات التي تؤصل العنف والشر.
أيضًا تذكرنا القيامة بوجود الله، وأننا محفوظون في يده القوية. إن العالم يمتلئ بالقلق والتوترات والضيقات، وفي كثير من الأحيان يمتلئ بالظلم جراء اختيارات بعض البشر وأعمالهم الشريرة، إلا أننا نضع جميع أمورنا بين يدي الله، واثقين بعدله وخيره وعنايته بالبشر بل بجميع خليقته. أتذكر حوارًا قرأته ذات يوم بين طائرين صغيرين، يتساءل أحدهما: لماذا يحيا البشر في قلق دائم؟ أجاب الطائر الآخر: ربما لأن ليس لديهم أب يعتني بهم مثل أبينا السماويٌ!! لنتذكر دائمًا أن الحياة الدنيا ليست هي النهاية، بل هي مجرد نقطة البداية لحياة بلا نهاية، سوف يسود فيها العدل، والخير، والسلام، وفرح لا ينطق به ومجيد.
كل عام وجميعكم بخير.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ