قال الأنبا إرميا، الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى، إن «الراحل العظيم» رحل وهو مطمئن على مصر لأنه يعلم أن الله يحرسها، إذ إن الشعب المصرى متدين، ويحب الله ويجتهد فى عبادته، ولذلك ذكره الله فى كتبه السماوية.
وأضاف السكرتير الشخصى للبابا شنودة الثالث أن الراحل كان له أصدقاء كثر وكان يردد دائمًا حكمة مفادها إن لم تستطع كسب صداقة الناس فلا تكتسب عداوتهم، ولكن جمعته علاقة صداقة وطيدة بشيخ الأزهر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوى، فضلًا عن شيخ الأزهر الحالى الدكتور أحمد الطيب.
■ من المعروف عن البابا شنودة قوة ذاكرته وسرعة بديهته، فما حقيقة الأقاويل التى ترددت عن فقدانه لقوة الذاكرة كعلامة من علامات تمكن المرض منه فى آخر أيامه؟
– هذه الأقاويل لا صحة لها، لأن البابا شنودة احتفظ بقوة ذاكرته ووعيه حتى الثانية الأخيرة فى حياته، أنا أذكر جيدًا الأسبوع الأخير فى حياته، حيث رحل فى ١٧ مارس ٢٠١٢، وقبل هذا التاريخ بأيام طلب منى أن أتصل بالآباء الأساقفة وإبلاغهم برغبته فى وداعهم، وهو ما حدث بالفعل.
وفى السابعة مساءً دخل الأساقفة إلى غرفته مجموعات، كل مجموعة مكونة من ٣ إلى ٤ أساقفة.
وكان قداسته يطمئن على أحوال كل إيبارشية، وفى يوم ٧ مارس ألقى عظته الأخيرة التى لم تزد على ربع الساعة لأن قداسته كان متألمًا للغاية فى الفترة الأخيرة من حياته،
أما آخر يوم فى حياة البابا فكان يومًا عجيبًا وكان مريضًا جدًا والوجع زائد عن الحد، فذهب الأنبا يؤانس للصلاة، ولم أستطع أن أذهب للصلاة وأتركه وجلست حتى الثامنة والنصف واستأذنته أن أصلى قداسًا وأعود، فقال لى اطلب من الله أن يريحنى، فنزلت للصلاة بمزار مار مرقس الرسول، وعدت فسألنى: «قلت لربنا اللى طلبته منك؟»، فلم أرد وكان فى غرفته صليب أمام سريره فكان ينظر تجاهه ويقول: «يا رب لم يعد فىّ قوة بعد أنا مش قادر»، وبعدها قال لى «عاجبك التعب اللى أنا فيه؟»، فلم أرد، كان يتألم جدًا فى الفترة الأخيرة وكان الله سامعًا لطلبه الأخير.
■ طوال المدة التى رافقت فيها البابا كم مرة شعر بأن مصر فى خطر؟ وكيف كان يدعو الله لينجيها من المخاطر؟
– لم يشعر البابا بالخطر على مصر أبدًا، وكان يحب مصر جدًا، وكان يعلم أن الله يحرسها، ووقت نياحته كانت كل القوى فى مصر على قلب رجل واحد وكان مطمئنًا أن البلد فى أيدٍ أمينة، وشارك فى وداعه وجنازته ملايين المصريين من المسلمين والأقباط.
■ من خلال قربك منه.. كيف كانت علاقته بشيوخ الأزهر؟
– البابا شنودة الثالث كان له أصدقاء كثر وكان يردد دائمًا حكمة مفادها إن لم تستطع كسب صداقة الناس فلا تكتسب عداوتهم، ولكن جمعته علاقة صداقة وطيدة بشيخ الأزهر الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوى، وكانا دائمًا ضيفين دائمين على المؤتمرات الرسمية والدينية فى مصر والوطن العربى والعالم، وامتدت الصداقة أكثر من ربع قرن وحين تمكن المرض من شيخ الأزهر زاره البابا شنودة فى المستشفى للاطمئنان عليه.
وبعد أن توفى شيخ الأزهر فى السعودية أثناء تحكيمه إحدى مسابقات حفظة القرآن الكريم، حضر البابا العزاء الذى أقيم فى مسجد عمر مكرم، وقال كلمة ودّع بها صديقه وعدد فيها مناقبه.
وبعد أن تولى الأستاذ الدكتور أحمد الطيب منصب شيخ الأزهر، أرسل قداسة البابا شنودة الثالث برقية تهنئة وزاره شخصيًا لتهنئته وتوطدت العلاقة بينهما، فعلاقته مع شيوخ الأزهر نابعة من الوطنية وإحساسه بالمسئولية تجاه وطنه وإيمانه بالقضايا المشتركة التى تشغل المصريين والعرب.
■ يتزامن الصوم الكبير عند الأقباط مع قرب حلول شهر رمضان الكريم، فهل هناك سمات مشتركة بين الصومين؟
– هذه نعمة كبيرة، والشعب المصرى متدين، ويحب الله ويجتهد فى عبادته، ولذلك ذكره الله فى كتبه السماوية، مثل قوله تعالى: «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين»، وفى الكتاب المقدس قال الرب: «مبارك شعبى مصر».
أدعو الله أن يبارك قيادته ويحفظها ويتقبل الله الأصوام من المسيحيين والمسلمين، ويبارك بلدنا إلى أبد الآبدين.
■ ما الذى تذكره عن موائد رمضان التى تشرف عليها الكنيسة؟
– موائد رمضان تعبر عن الوحدة الوطنية ومتانة العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، وعندما بدأنا فى تنفيذ الفكرة، كان يشاركنا من المسلمين نحو ١٠٠ من المسئولين والوزراء ثم زاد العدد إلى ١٥٠ فردًا من القيادات إلى أن وصل إلى ٥٠٠ من القيادات والشيوخ والقضاة، وفى المقابل كان الأزهر أعد مائدة ردًا لهذه اللفتة الطيبة، وكان يدعو لها كبار رجال الدولة والقيادات وتشهد تبادل الرؤى بين الجانبين بشأن القضايا التى تشغل المواطنين.
■كيف ساهم البابا فى تحويل مقترح بيت العائلة إلى واقع؟
– بيت العائلة مقترح تقدم به الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر بعد تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية عام ٢٠١١، وسبق هذا الحادث الأليم بثلاثة أشهر تفجير كنيسة سيدة النجاة بالعراق. وقتها استشعر «الطيب» الخطر، وزار البابا على رأس وفد لتقديم واجب العزاء لقداسة البابا شنودة فى شهر يناير ٢٠١١، وخلال اللقاء اقترح شيخ الأزهر على البابا شنودة تأسيس بيت العائلة المصرية، على أن يضم مجموعة من علماء الأزهر والشيوخ والقساوسة، وأن توضع لائحة له تحكم عمله، بهدف التقريب بين المصريين وتحصينهم من الفتن والشقاق. ووافق الأنبا شنودة على الاقتراح، وبعد ذلك عقد عدة اجتماعات متتالية لتدوين اللائحة الداخلية لبيت العائلة، وبالفعل أقر مجلس الوزراء إنشاءه.