بدايةً، أتقدم بالتهنئة إلى المِصريِّين جميعًا بمناسبة ذكرى تحرير “سيناء” ورُجوعها إلى حِضن الوطن “مِصر”، هٰذه الذكرى التي احتفلنا بها قبل أيام قليلة. إن “سيناء” أضفت على موقع “مِصر” تميزًا جعل منها مركزًا عالميًّا يخطف أنظار العالم إلى أهميته فصارت بحق قلب العالم، والبلد الذي يربط قارتَي أفريقيا بآسيا.
وفي محاولات لنزع هُوَية سيناء المِصرية، تأتي الدلائل العلمية والتاريخية بالنقيض وتؤكد أن الإنسان المِصريّ عاش في سيناء وقام بتعمير كثير من أماكنها منذ العصور القديمة التي تعود إلى آلاف السنين؛ فقد اكتُشفت أدوات من تلك العصور عند مناطق “الروافعة” و”أبو عقيلة” و”العريش” تشبه تلك التي عُثر عليها عند وادي “النيل” مما يؤكد ارتباط سيناء بوادي “النيل”.
تبلغ مساحة “سيناء” نحو ٦١ ألف كيلومتر مربع، أيْ تقريبًا ٦% من جملة مساحة “مِصر”، وقُدر عدد سكانها في أبريل من عام ٢٠١٣م بـ٥٩٧ ألف نسَمة، وهي تقع بين ثلاثة أنواع من المياه: “البحر المتوسط” من جهة، و”قناة السويس” و”خليج السويس” من جهة أخرى، و”خليج العقبة” من الجهة الثالثة؛ ومن ثَم تملِك “سيناء” وحدها قرابة ٣٠% من مجمل سواحل “مِصر” مما يضيف إليها تميزًا جديدًا في مجالَي السياحة الشاطئية والرياضية مثل الغطس؛ كما تملِك آثارًا دينية و تاريخية، وثروات معدِنية، وغيرها من الكُنوز التي حبا الله بها “مِصر”.
وفي جولة سريعة على أرض “سيناء”، نجدها بحق كَنزًا سياحيًّا ثمينًا بهَر العالم بأسره فأصبحت مؤهلة لتتبوأ مكانة سياحية لا نظير لها، إذ جمعت كل مقومات السياحة الناجحة من: مُناخ، وطبيعة تأسر الألباب، وشواطئ، وآثار تاريخية ودينية لم تَحظَ بمثلها دولة أخرى.
كُنوز السياحة
أولًا: السياحة الدينية والثقافية
تزخر “سيناء” بالمعالم السياحية الدينية التي تجذب إليها العالم من كل صوب وجهة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
• “جبل موسى” الذي يُعد من أشهر جبال سيناء بل العالم كله.
• “جبل سانت كاترين”، وبه “دير القديسة كاترينا”، ويحوي العُلَّيقة المشتعلة التي رآها “موسى النبيّ”، و”مسجد الحاكم بأمر الله”.
• “دير القديس چورچ” (جرجس) بطور “سيناء”، وهو دير للروم الأرثوذكس، ملحقة به كنيسة على اسم القديس.
• الطرق التاريخية مثل: “طريق حورس” الفرعونيّ، و”طريق رحلة العائلة المقدسة”، و”طريق الفتح العربيّ” لمِصر.
• القلاع والحُصون مثل : “العريش”، و”نخل”، و”المغارة”، و”صلاح الدين”.
• المدن التاريخية المهمة مثل: “الفَرَما” التي تحتوي على الكنيسة الشرقية و”حمام بلوزيوم” و”المسرح الرومانيّ” وغيرها من الآثار المكتَشفة.
ثانيًا: السياحة الشاطئية
يُعد الموسم السياحيّ في “سيناء” من أطول مواسم السياحة الساحلية في “مِصر” إذ يقترب من سبعة الأشهر. وتمتد شواطئ “سيناء” على ساحلها في جمال خلاب كشواطئ: “العريش”، و”الشيخ زويد”، و”رفح”؛ التي يمتاز كل منها بانتشار أشجار النخيل فيه واكتسائه بالرمال البيضاء النظيفة. أيضًا “شاطئ الرواق” الذي يُعد من أجمل شواطئ “سيناء”، وشواطئ “رمانة”، و”الخروبة”، و”رأس مُحمد”، و”شرم الشيخ”، و”نويبع”، و”دهب”، و”طابا”. كذٰلك تمتاز “سيناء” بمناظر طبيعتها الساحرة، وصفاء مياهها، إلى جانب شعابها المَرجانية، وأسماكها الملونة النادرة، وهي كُنوز تقدم للسائحين فرصًا رائعة للتمتع بالشواطئ، والطبيعة، وممارسة الرياضة.
ثالثًا: السياحة العلاجية
تتمتع “سيناء” بأنقى هواء في العالم! وهٰذا ما أقرته دراسة قطاع الإعلام بـ”الأكاديمية الأمريكية بنيويورك” بشأن “كيمياء الهواء والنشاط الإشعاعيّ في العالم”. وتتوافر الأعشاب الطبية في “سيناء” ما يضيف إليها تميزًا في مجال السياحة العلاجية، وبخاصة لوجود عُيون المياه التي تساعد على شفاء عديد من الأمراض مثل “حمام موسى” و”حمام فرعون”. كذٰلك تساعد رمال “سيناء” الساخنة الناعمة في مناطقها العديدة على معالجة مرض “الروماتيزم”. وتُشتهر “سيناء” بوُجود أعشاب عديدة مفيدة في علاج عدد كبير من الأمراض، ومنها: “المريمية”، و”الزعتر”، و”الشيح”، و”البيثران”، و”القيصوم”، و”اللصف”، و”السكران”، و”الحنظل”، وغيرها.
رابعًا: المحميات الطبيعية
تُشتهر “سيناء” بالمحميات الطبيعية مثل:
• “محمية الزرانيق والطيور المهاجرة” بشمال سيناء.
• “محمية رأس محمد” التي تتميز بالشواطئ المَرجانية والأسماك الملونة، ووُجود الحفريات القديمة التي تتراوح أعمارها بين ٧٥ ألف و٢٠ مليون سنة.
• “محمية سانت كاترين” وهي محمية تاريخية تحمل آثارًا دينية، وتكثر بها ينابيع المياه، ومصادر الإنتاج الزراعيّ، والنباتات الطبية والأعشاب.
• “محمية طابا” حيث أجمل سواحل “سيناء”، وتتنوع بها الحيوانات والنباتات النادرة إذ تحتوي على قرابة ٤٨٠ نوعًا من الأنواع المنقرضة؛ وفيها أيضًا عدد من المواقع الأثرية التي يصل تاريخها إلى ٥٠٠٠ سنة تقريبًا.
التعدين
وإلى جانب الطبيعة الساحرة، تحتوي “سيناء” على ثروات طبيعية ومعادن كثيرة وهبها الله لها. وقد بدأ الاهتمام بالتعدين من عصر الفراعنة وبصفة خاصة: الفيروز، والنُّحاس، والزبرجد. وقد انتقل هٰذا الاهتمام عبر العصور، فقام والي مصر “مُحمد علي” بإرسال مهندس فرنسيّ لدراسة التعدين في بلاد “الطور” فوضع أول خارطة لـ”سيناء” في التاريخ الحديث، ثم في عهد “إسماعيل باشا” أُرسلت لجنة علمية إنجليزية للتنقيب فيها. ومن أهم الثروات المعدِنية: النُّحاس، والفوسفات، والحديد، والفحم، والمنجنيز، واليورانيوم. وفيها أجود أنواع الفيروز في العالم. وأيضًا من الثروات التي تُشتهر بها “سيناء”: الرخام بأنواعه التي تماثل أجود الأنواع العالمية، إضافة إلى حديد المنجنيز، والملح، والكِبريت، والرمال البيضاء والسوداء، ومواد البناء، والفحم، إلى جانب البترول الذي يمثل ثلث إنتاج “مِصر”. وهٰذه الثروات تفتح مجالات عديدة للصناعات في “سيناء”.
تتمتع “سيناء” بعدد من المحاصيل الزراعية من الفاكهة والخَضروات، من خلال زراعة ما يقرب من ٣٠٠ ألف فدان بالجُهود الذاتية، منها ١٩٧ ألف فدان على مصادر مياه مستقرة، في حين يعتمد الباقي على مياه الأمطار والسُّيول.
كما أن وجود المواني بسيناء مثل: “ميناء العريش” البحْري على ساحل “البحر المتوسط” يزيد من الحركة التِّجارية مع دُول “البحر المتوسط” من خلال تصدير إنتاجها من الرخام والرمال والأسمنت وملح الطعام وغيرها. أما “ميناء التلول” الذي يقع على “بحيرة البردويل” يضم مراسي لمراكب الصيد ووِحْدات تعبئة وتصدير الأسمـاك محليًّا ودُوليًّا. وتُعد “سيناء” من المناطق التي سوف تحظى بعديد من المشروعات اللوچيستية في مِنطَقة “قناة السويس” لتصبح مركزًا عالميًا.
إن الحديث عن “سيناء” لا يتوقف إذ حباها الله بكثير من الهبات حتى صارت لؤلؤة تربط بين قارتي “آسيا” و”أفريقيا”، فهي بكل ما تملِكه من جمال في الطبيعية، وكُنوز لا تُحصى، تُعد أحد السبل لدعم اقتصادنا القوميّ، مع تقديمها فرص عمل في عديد من المجالات. وتُعد تنمية “سيناء” مُهمة ملقاة على عاتق المِصريِّين وهدفًا وطنيًّا يوفر كثيرًا من فرص العمل ويرفع من دخل البلاد القوميّ، مما يساعد في دعم اقتصاد “مِصر” واتجاهها نحو العالمية.
كل عام وجميعكم بخير في ذكرى تحرير “سيناء”.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ