تحدثنا في المقالة السابقة عن أهمية تقييم ما نقوم به من أعمال؛ فهو أحد أهم مراحل تحقيق النجاح، ويليه التقويم والتعديل لما يُبعدنا عن الطريق؛ فالتقييم يكون: للأهداف، والأسلوب، والزمن.
أيضًا عند تقييمك لما تقوم به في أثناء مسيرك نحو أهدافك في طريق النجاح، لا تقلِّل من قيمة ما تعمل مقارنة بمن حولك؛ رُّب دَور تراه صغيرًا يكون سر نجاح إنجاز عظيم يذكره التاريخ. تحكي إحدي القَصص، التي وقعت بأمريكا في أثناء حرب الاستقلال، أن شابًّا يُدعي «لوقا» كان يحمل جسدًا واهنًا مع عرج في إحدي ساقيه. شعَر الشاب بالحَُزَْن الشديد لعدم قدرته علي الذهاب مع الآخرين الذين انطلقوا للدفاع عن بلادهم. لقد شعَر «لوقا»، الذي كان يعمل صبيًّا مساعدًا لحداد، أنه بلا نفع ولا قيمة إذ أنه عاجز عن أداء دَور ذي قيمة نحو بلاده. وأخذت التساؤلات تندفع في فكره: ما هي قيمة حياتي؟! وماذا قدمتُ؟ لا فائدة لي! وبينما تسيطر عليه أفكاره إذ تمر به مجموعة من الجنود الخيّالة فيسألونه: أيمكنك صنع حَدْوَة لأحد الخيول؟ أسرع لوقا بالإجابة: نعم، فأنا قد صنعتُ حَدْوَات كثيرة خلال عملي. وطلب منه الجنود صنع الحَدْوَة ليبدأ «لوقا» في العمل بكل جِد واجتهاد؛ فصنع حَدْوَة صنعا جيدًا جدًّا. وما أن انتهي من عمله حتي امتطي الكولونيل «وارنر» فرسه قائلًا: أشكرك، أيها الشاب؛ فما قدمتَه لخدمة بلادك يعادل عشَرة جنود! وفي ذلك اليوم نفسه، انتصر الكولونيل «وارنر» في «موقعة بننجتون» التاريخية في حرب الاستقلال. لقد شارك «لوقا» في صنع هذا الانتصار؛ إذ لولا عمله الذي كان يراه بلا قيمة، ما استطاع القائد أن ينتصر في المعركة.
عزيزي القارئ لا تقيِّم نجاحك أو فشلك مقارنة بما يقوم به الآخرون، بل بما تقدِّمه من عمل نافع مفيد بكل جِد وإخلاص. ولتكُن مقارنتك بذاتك؛ أيْ تقييم أمورك السلبية والإيجابية؛ ما تقدَّمتَ فيه وما تأخرتَ أو ما توقَّف لفترات زمنية. أمّا نجاح الآخرين فاعتبره حافزًا لك في الحياة يساعدك علي بذل مزيد من الجُهد والعمل. وثِق أن الأعمال التي تراها صغيرة وليست ذات قيمة هي أسس تحقيق أعظم الإنجازات. فسِرّ النجاح يكمُن في الالتزام والعمل الجاد والقدرة علي التعديل. وقد ذكر حكيم قديم: «الفشل هو الشيء الوحيد الذي يستطيع الإنسان أن يحققه دون أيّ مجهود.».
وهنا أود أن أركز علي أحد أهم أسرار النجاح ألا وهو «الإيمان والثقة» بأهدافك وعملك تجاهها. فإذا لم يكُن لديك الثقة بأهمية ما تقدِّمه، توقفتَ حتمًا عند تصديك للمشكلات والعقبات في الطريق؛ وهذا الإيمان هو ما يحُثنا علي الالتزام بدَورنا وعملنا بالرغم مما قد يمر بنا من أحوال صعبة، وبه يمكننا الاستمرار في المسير. لقد كان أمام عظماء العالم آلاف الأسباب للتوقف والتراجع، وكذلك اعترضهم عديد من المحن والعقبات، إلا أنهم لم يستسلموا أو يتنازلوا عن أهدافهم. يقول شكسبير: «جاهِد لآخر نفَس في حياتك، ولا تتوقف.». والإيمان هو أيضًا القوة الدافعة نحو تحقيق النجاح من خلال استخدام الطاقات الكامنة في التصدي للمواقف العصيبة. يذكر دكتور «روبرت شولر» مؤلف كتاب «قوة الأفكار»: «اُِبذُِل قُصاري جُهدك. وابدأ صغيرًا، ولكنْ فكِّر علي مستوي كبير. وعليك باجتياز العواقب. وللحديث بقية
لأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ