No Result
View All Result
تحتفل كنائس الشرق غدًا بـ”فصح يونان” الذي يسبقه صوم ثلاثة أيام (بدأت يوم الإثنين وتنتهي اليوم)، ويُعرف باسم “صوم أهل نينوى” أو “صوم يونان”.
وقصة يونان النبي هي قصة “توبة شعب” بأسره، عاش أفراده في الخطيئة والرذيلة والفساد أزمنة، ولكن الله الرحيم أرسل إليهم “يونان” مناديًا بالتوبة، فنُخست قلوبهم من الكبير إلى الصغير وعادوا إلى الله، صائمين متذللين، مبدين بالغ الندم على انغماسهم في الشر. ولتلك القصة سفر خاص، على أربع أصحاحات من الكتاب هو “سفر يونان”. وقد عرفت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ذلك الصوم وأضافته إلى أصوامها في القرن العاشر الميلاديّ في عهد البابا أبرآم السريانيّ (المعروف بـ”ابن زرعة)، الثاني والستين في بطاركة الكرازة المرقسية (٩٧٦-٩٧٩م)، وقد رتبته الكنيسة قبل بَدء الصوم الكبير بأسبوعين، في دعوة منها إلى التوبة التي هي طريق العودة إلى الله؛ ولتذكرنا بمحبة الله ورحمته للبشر.
و”يونان النبيّ” هو أحد أنبياء إسرائيل “مملكة الشمال” سنة ٨٢٥ – ٧٨٤ ق. م. وقد عاصر “عاموس النبيّ”. وقد جاء في التقليد اليهوديّ أن “يونان النبيّ” هو ابن الأرملة الذي أقامه “إيليا النبيّ” من الموت في مدينة “صَرفَة صَيداء”. وكلمة “يونان” أو “يونا” في العبرية تعني “حمامة”. و”نينوى”، التي وُصفت بـ”المدينة العظيمة”، قد بُنيت على الضفة الشرقية من نهر “دجلة” بالعراق على فم رافد “الخسر”، وكان شعبها البابليّ الأصل يعبد الآلهة “عشتاروت”، وصارت عاصمة أقوى القوى العالمية وأعظمها آنذاك وهي الإمبراطورية الأشورية. ومع مُلك “شَلْمَنْأَسَر” الملك وبنائه قصره في “نينوى” سنة ١٢٧٠ ق. م.، عُرفت “نينوى” بغناها وعظمتها وجمالها، فكان ملوك الأشوريين يجلبون إليها الغنائم، ويحسبون العالم القديم كله عبدًا لها.
وبعد زمان طويل من انغماس أهل “نينوى” في الشرور وأناة الله تنتظرهم: “صَارَ قَوْلُ الرَّبِّ إِلَى يُونَانَ بْنِ أَمِتَّايَ قَائِلاً: «قُمِ ٱذْهَبْ إِلَى نِينَوَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ وَنَادِ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ قَدْ صَعِدَ شَرُّهُمْ أَمَامِي» … فَٱبْتَدَأَ يُونَانُ يَدْخُلُ ٱلْمَدِينَةَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَنَادَى وَقَالَ: «بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَنْقَلِبُ نِينَوَى»”؛ وسارع كل الشعب الخاطئ بقبول مناداة “يونان”: “فَآمَنَ أَهْلُ نِينَوَى بِٱللهِ وَنَادَوْا بِصَوْمٍ وَلَبِسُوا مُسُوحًا مِنْ كَبِيرِهِمْ إِلَى صَغِيرِهِمْ. وَبَلَغَ ٱلأَمْرُ مَلِكَ نِينَوَى، فَقَامَ عَنْ كُرْسِيِّهِ وَخَلَعَ رِدَاءَهُ عَنْهُ، وَتَغَطَّى بِمِسْحٍ وَجَلَسَ عَلَى ٱلرَّمَادِ. وَنُودِيَ وَقِيلَ فِي نِينَوَى عَنْ أَمْرِ ٱلْمَلِكِ وَعُظَمَائِهِ قَائِلاً: «لَا تَذُقِ ٱلنَّاسُ وَلَا ٱلْبَهَائِمُ وَلَا الْبَقَرُ وَلَا الْغَنَمُ شَيْئًا. لَا تَرْعَ وَلَا تَشْرَبْ مَاءً. وَلْيَتَغَطَّ بِمُسُوحٍ ٱلنَّاسُ وَٱلْبَهَائِمُ، وَيَصْرُخُوا إِلَى ٱللهِ بِشِدَّةٍ، وَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ ٱلرَّدِيئَةِ وَعَنِ ٱلظُّلْمِ ٱلَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ، لَعَلَّ ٱللهَ يَعُودُ وَيَنْدَمُ وَيَرْجِعُ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ فَلَا نَهْلِكَ»”؛ وهٰكذا لم تكُن توبة شعب نينوى صادرة من الأفواه، بل تابوا من كل قلوبهم، في أعمال تذلل وانسحاق، رآها الله فقبِل توبتهم ورحِمهم.
وفي “سفر يونان” نرى الله الشفوق، الراعيكل خليقته، الحريص على خلاصها الأبديّ: “فَقَالَ ٱلرَّبُّ: «أَنْتَ شَفِقْتَ عَلَى ٱلْيَقْطِينَةِ الَّتِي لَمْ تَتْعَبْ فِيهَا وَلَا رَبَّيْتَهَا، الَّتِي بِنْتَ لَيْلَةٍ كَانَتْ وَبِنْتَ لَيْلَةٍ هَلَكَتْ. أَفَلَا أُشْفَقُ أَنَا عَلَى نِينَوَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنِ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ رِبْوَةً مِنَ ٱلنَّاسِ ٱلَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ يَمِينَهُمْ مِنْ شِمَالِهِمْ، وَبَهَائِمُ كَثِيرَةٌ؟»”. إن الله يشفق على الكل، يبعث إليهم برسائل جاذبة إلى التوبة من أجل خلاصهم: أرسل بالتوبة إلى أهل نينوى، وإلى “يونان النبيّ” نفسه الهارب من وجهه، وإلى ركاب السفينة الذين اجتازوا اضطراب البحر؛ ولا يزال إلى اليوم يرسل أن يتوب كل إنسان.
إن قصة “سفر يونان” دعوة إلٰهية صالحة لكل الأزمان بتوبة الجميع قبل أن تأتي يوم الديان المخوف العادل. وكما ذكر أحد الآباء القديسين، فإن التوبة لا ترتبط بزمن، بل بحالة القلب، لا تحتاج إلى زمن طويل، بل يعوزها قلب نادم عن شروره، ساعيًا لتغيير اتجاهه، تاركًا خطاياه بصدق حقيقيّ، مشتاقًا إلى العودة لله؛ إنها رحلة العودة إلى السماء، إلى محبة الله.
كل عام وجميعكم بخير وسلام. و… وما زال في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ

No Result
View All Result