تحدثنا في المقالة السابقة عن أهمية العمل وقيمته فيتحويل الآمال والأحلام إلي حقيقة علي أرض الواقع، وأنه يعكس شخصية الإنسان وحده في الوصول إلي الأهداف وتحقيقها، وأن من أهم عناصر النجاح هو تقييم الإنسان لما يقوم به بين الحين والآخر ليعرف مدي تقدمه نحو الهدف. وفي الطريق إلي النجاح نتصدي للعديد من المشكلات، لكنْ يجب ألا يدع الإنسان اليأس يتسلل إلي أعماقه ويستسلم؛ لأن اليأس والاستسلام هما أولي
الخُطوات في طريق الفشل. التقييم .. يُعد التقييم واحدة من أهم المراحل في الطريق إلي النجاح. إلا أن كثيرًا من الناس يُهملونها؛ فالطريق إلي النجاح ليس خَطوات متعاقبة بلا توقف، إنما مراحل يعقب كل منها فترة تقييم. وفيها: يراجع الإنسان أهدافه ومدي وضوحها أمام عينيه.. يدرُس ما وصل إليه من تقدم نحو الهدف في خلال الزمن الموضوع. إذا وجد أن هناك تباينًا شديدًا بين ما وضعه في خُطته وما تم إنجازه؛ أو إذا وجد أن هناك فشلًا في بعض الجوانب، فإن عليه أن يراجع الأساليب التي استخدمها. ويعقب التقييم تعديل للأمور للإصلاح؛ وهو ما يُطلق عليه «التقويم». وتجاهُل الإنسان لمرحلة التقييم وما يعقبها من تقويم يؤدي حتمًا إلي الفشل. فعلينا أن نتحقق من وضوح الأهداف أمامنا مع مرور الزمن، ومن أننا نتجه في الطريق الصحيح ولم نشرُد بعيدًا عن أهدافنا أو أنها لم تتغير ملامحها دون أن نُدرِك؛ لئلا نجد أنفسنا وقد أسرعنا نحو ضباب كثيف في طريق الحياة! وعن أهمية التقييم أجد في هذه القصة التي وقعت قبل سنوات بعض التشابه.
وقعت في إحدي مَِحطات السكة الحديد بالولايات المتحدة الأمريكية واحدة من أكثر الحوادث ألمًا ورعبًا. فقد توقف أحد قطارات البضائع في الطريق بسبب بعض الأعطال في حين كان هناك قطار آخر يُقِلّ كثيرًا من الشباب العائدين من مدارسهم يسرع نحوه ويكاد أن يصطدم به. ومع محاولات حامل الراية لتحذير سائق القطار من الخطر الذي ينتظره، إلا أن السائق لم يوقفه مواصلًا طريقه ليصطدم القطاران وتقع كارثة تسببت في مقتل عدد كبير ممن كانوا داخل القطار!! واستطاع السائق أن ينجو بحياته ويقفز من القطار. وما أراه مهما هو ما أسفر عن التحقيقات؛ ففي خلال التحقيق القضائيّ مع السائق سُئل: ألم تشاهد حامل الراية وفي يده الراية الحمراء وهي تُنذرك بالخطر الذي تعرضتَ له؟ فأجاب: نعم رأيتُه، ولكنه كان ممسكًا براية صفراء! لذلك أكملتُ طريقي؛ فالراية الصفراء تعني الاستمرار ولكن ببعض الحذر؛ ولم أتوقع أن هناك خطرًا داهمًا يتسبب عنه الكارثة التي حدثت. وهنا استُدعِيَ حامل الراية وسُئل عن لون الراية التي كان يلوح بها لسائق القطار لكي يوقفه؛ فأجاب: كنت ألوِّح له بالراية الحمراء، إلا أن السائق لم يوقف القطار! وهكذا أصر كل منهما علي رأيه وأقواله. واعتقدت لجنة التحقيقات أنه لابد من أن أحدهما مُصاب بمرض «عمي الألوان». وبالكشف الطبيّ اتضح أنهما لا يعانيان من عدم القدرة علي تمييز الألوان. وبعد التحقيقات، طلبت اللجنة أن تري الراية التي استُخدمت؛ وعندئذ كُشف سر المأساة. لقد كانت الراية يومًا ما حمراء!! إلا أن لونها مع الوقت تحول إلي الأصفر الباهت نتيجة العوامل الجوية التي تتعرض لها!!
فبينما اعتقد حامل الراية أنها حمراء رآها السائق صفراء، ووقعت الكارثة.
إن الأهداف والوسائل عندما تتعرض إلي الضغوط والأحوال التي تمر بالإنسان قد يبهَت لونها وتتبدل أمام عينيه؛ فتنعطف به عن طريق النجاح. لذا، قِف لتُدرِك إلي أين تسير وكيف !!! وللحديث بقية…
لأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ