حينما تتعانق الأعياد في سماء بلادنا، تمتلئ القلوب بالفرح والسعادة، وتتوحد الخطي ساعية نحو مزيد من التقدم. فقبل أيام قليلة، احتفل أقباط مِصر ببَدء العام القبطيّ الجديد، وفي هٰذه الأيام يحتفل المسلمون والأمة العربية بعيد الأضحي الذي يوافق احتفالات المِصريين بالذكري الحادية والأربعين لانتصارات أكتوبر المجيدة. إن المِصريّ شامخ يرفض التنازل عن كرامته وإيمانه، فلا يمكن أحدًا أن يحرمه حريته أو يَثنيه عن إيمانه؛ إنه الشعب الذي لا يرضي بالمهانة، ولا يهاب الموت. فقد سجل علي صفحات تاريخه رفضه لكل استهانة به، أو محاولة استعباده، أو إجباره علي إيمان أو معتقد لا يريده. وقبل أن يعي العالم وجود الدولة، كان المِصريون يرفضون كل قهر وتسلط، ثائرين أمام من يريد تغريبهم عن أرضهم، أو هدم وجودهم، فهم لا يتراجعون عن حريتهم وكرامتهم، أو إيمانهم؛ حتي إن كان الثمن حياتهم.
عام قبطيّ جديد..
ومع العام القبطيّ الجديد، نتذكر صلابة الإنسان المِصري أمام العذابات التي تعرض لها المَسيحيِّون في حكم الإمبراطور «دقلديانوس» الوثنيّ؛ ومنها: الاضطهادات الأدبية كالإهانة، والتحقير، والفصل من الوظائف، ومصادرة الأموال والممتلكات، وفقدان حقوق المواطنة، وسلب البيوت والأمتعة، وضياع حق التقاضي أمام المحاكم. كذٰلك التعذيبات البدنية من سَجن، وجَلد، وحرق، وإغراق، وصلب، وكثير من الوسائل الأخري. ولٰكننا كنا نراهم عبر صفحات التاريخ يتقدمون مستهينين بالموت!!
عيد الأضحي..
واليوم يحتفل المسلمون في جميع بقاع الأرض بعيد الأضحي، الذي يبدأ في العاشر من الشهر الثاني عشَر من التقويم الهجريّ ـ شهر ذي الحجة ـ بعد يوم عَرَفة، وتنتهي أيامه في الثالث عشَر من الشهر نفسه. ويحتفل العالم الإسلاميّ بهٰذا العيد في بلاد العالم. وعيد الأضحي يتذكر فيه الناس ذٰلك الاختبار الصعب الذي تعرض له إبراهيم خليل الله، حين طلب منه الله ذبح ابنه، فأسرع إبراهيم بإطاعة الأمر ليقدم ابنه ذبيحة. إلا أنه حين هَم بذبحه، استوقفه الله، وباركه، وأوجد له كبشًا ليذبحه بدل ابنه. كما جاء في الآية السابعة عشْرة من سورة الصافات: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾. وفي الأعياد، تتوحد قلوب المِصريين مشاركين بعضهم بعضًا الأفراح والتهاني، مؤكدين أصالة ومحبة الشعب الواحد في كل ما يمر بالبلاد من مناسبات. والعيد هو فرصة ليقدم الإنسان أعمال الرحمة والبر والخير إلي الآخرين، والسعي لإسعاد القلوب في هٰذه الأيام حيث تتلاحم الأفئدة والنفوس. ذكري نصر أكتوبر .. وفي ذكري نصر أكتوبر، ترتفع هامات المصريين عالية أمام العالم، إذ تكتمل مسيرة جهاد الشعب الأبيّ علي مر التاريخ بتحقيق معجزة لم يتخيل أحد أنه بمقدوره تحقيقها؛ فبينما يردد الآخرون شعارات «الخط الذي لا يُقهر»، و»القناة التي لا يستطيع أحد عبورها، إذ ستصبح مقبرة من يحاول»، صمد المِصريّ بصبر وعمل وكفاح حتي حطم كل الافتراءات، ليعترف العالم بقدرة المِصرييِّن علي صنع المستحيل.
أهنئكم جميعًا بعيد الأضحي، متمنيًا لكم جميعًا أيامًا سعيدة ممتلئة بالأفراح، كما أهنئكم بذكري انتصار أكتوبر، مقدمًا تهنئة خاصة إلي كل من شارك في صنع الانتصارات لبلدنا الحبيب مِصر في مجالات الحياة كافة، مصلين من أجل خير بلادنا وسلامها. حفِظ الله مِصر وصانها من كل شر.
الأسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ