No Result
View All Result
تُعد ذكرى دخول العائلة المقدسة إلى «مِصر»، التي يُحتفل بها غدًا، من أهم الأحداث التي شهِدتها «مِصر» على مر التاريخ، إذ هي البلد الوحيد الذي تبارك بوجود العائلة على أرضه. وقد بدأت رحلة العائلة ليلًا عندما سعى الملك «هِيرودس» لقتل السيد المسيح بعد أن التقى المجوس وطلبه منهم أن يُخبروه بمكانه. وهكذا انطلقت العائلة سريعًا، بعد ظهور الملاك ل«يوسف النجار»، من «بيت لحم» في «فلسطين» متجهة صوب «مِصر»، فوصلت إلى «غزة» حتى «محمية الزرانيق» غرب «العريش» لتكون «سيناء» هي المدخل إلى «مِصر» من «الفَرَما» في الشَّمال. وقد وصل خبر هروب العائلة المقدسة إلى «هِيرودس» فأرسل جواسيسه وراءها، قيل إنهم عشَرة جنود، آمرًا إياهم بالبحث عن الصبى وإحضاره حياً ليقتُله بنفسه، لكنهم لم يستطيعوا الوصول إليه. ولهذا، اتخذت العائلة المقدسة طريقاً أخرى غير تلك التي كانت معروفة آنذاك، وكانت تتحرك في «مِصر» شَمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا هربًا من جواسيس الملك.
دخلت العائلة المقدسة «مِصر» من «الفَرَما». وقد ذكر الراهب «برنارد» في كتابه، أنه في عام ٨٧٠م، رأى في «الفَرَما» كنيسة مكرَّسة باسم القديسة «مريم» تَذكارًا لمرور العائلة بها. وصلت العائلة إلى «تل بسطا» قرب مدينة «الزقازيق»، وكان وصولها ظُهرًا فاستظلت تحت شجرة هناك، وفى أثناء ذلك عطِش السيد المسيح فسألت السيدة العذراء مريم أهل المدينة بعض الماء فرفضوا!
فأنبع لها السيد المسيح نبع ماء وباركه. والجدير بالذكر أن الأوثان قد تحطمت عندما دخل المدينة، وقصة ذلك أنه في أثناء وجود العائلة المقدسة في «تل بسطا» مر بهم شخص يُدعى «قلوم» دعاهم إلى منزله، وأكرم ضيافتهم، وبارك الطفل «يسوع» منزله، وحدث أمر عجيب، إذ عند وصول العائلة المقدسة لمنزل «قلوم»، تأسف الرجل «للسيدة العذراء مريم» لأن زوجته مريضة ملازمة الفراش منذ ٣ سنوات، وأنها لا تستطيع الترحيب بها وبعائلتها، فقال السيد المسيح لـ«قلوم»: «الآن، امرأتك (سارة) لن تكون بعدُ مريضة»! وفى الحال، قامت «سارة» متجهة ناحية الباب مرحبةً بالطفل وأمه والقديس «يوسف النجار» وسألتهم البقاء معهم مدة أطول، إذ وجود الصبى يهب بركة لمنزلها!! إلا أن وجود «السيدة العذراء» ومعها طفلها تسبب في سقوط التماثيل الجرانيت الضخمة للآلهة!!
وانتشر الحادث في كل أنحاء البلدة حتى وصل الأمر إلى الحاكم الذي بدأ التحقيقات، فعلِم أن السبب هو وجود سيدة تحمل طفلًا صغيرًا وهو في الأغلب الطفل المقدَِّس الذي يبحث عنه «هِيرودُس». فصدرت الأوامر بالبحث عن الصبى في كل مكان في المدينة. وسمِع «قلوم» بكل الترتيبات والخطوات التي اتخذتها السلطات للقبض على الطفل «يسوع» الذي كان سبب بركة وشفاء لزوجته، لذلك، أسرع إلى العائلة المقدسة، ناصحًا إياها بالهرب من المدينة ليلًا. فتوجهت العائلة ناحية الجنوب إلى «مسطرد» حيث أنبع السيد المسيح فيها نبع ماء لايزال حتى اليوم.
ومن «مسطرد» اتجهت العائلة إلى «بلبيس» في محافظة «الشرقية»، وهناك استظلت بشجرة سُميت فيما بعد «شجرة مريم». وتذْكر إحدى القِصص عن هذه الشجرة، أن عساكر «نابُليون» عندما مروا بـ«بلبيس» أرادوا إعداد طعامهم، فأمسكوا الفأس لاقتطاع بعض الخشب من تلك الشجرة، لكن فزعًا شديدًا قد انتابهم مع أول ضربة فأس في الشجرة، إذ بدأت تُدمى!! فارتعبوا جدًّا ولم يستطيعوا مساسها.
ومن «مسطرد» إلى «منية سمنود»، مرورًا ببلدة «دقادوس»، عبرت العائلة «نيل مِصر» إلى مدينة «سمنود» (جمنوتى- ذب نثر) داخل «الدلتا» حيث استُقبلت العائلة المقدسة استقبالًا حافلًا، وقيل إن «السيدة العذراء» في هذه المدينة عجنت في ماجور كبير بالمدينة مصنوع من الجرانيت موجود حتى الآن. ثم جاء التَّرحال إلى منطقة «البرلس» لتصل إلى مدينة «سخا» في محافظة «كفر الشيخ»، وقد ظهرت آثار قَدَم السيد المسيح على أحد الأحجار فيها وذلك لما شعرت العائلة المقدسة بالعطش ولم تجد ماءً، وكان هناك حجر عبارة عن قاعدة عمود، أن أوقفت «السيدة العذراء» ابنها عليه، فغاصت قدماه في الحجر وانطبع أثر قدميه على الحجر!
وقد نبع من الحجر ماء ارتوى منه أفراد العائلة المقدسة جميعًا، ولذا عُرفت المنطقة باسم «بيخا إيسوس» أي «كعب يسوع». ثم عبرت العائلة المقدسة مرة أخرى نهر النيل (فرع رشيد) إلى غرب «الدلتا» إلى «وادى النطرون»، مارةً بـ«نبع الحمرا» حيث أنبع السيد المسيح نبع ماء عذب أُطلق عليه اسم «بئر مريم» يقع وسْط البحيرات الممتلئة بمِلح النطرون.
ثم تتجه العائلة المقدسة إلى مدينة «القاهرة» فـ«المطرية» التي بها الشجرة التي استظلت بها المعروفة بـ«شجرة مريم». وقد أنبع السيد المسيح نبع ماء غسلت فيه السيدة العذراء مريم ملابس الطفل، وصبت الماء على الأرض فأُنبت «البلسان». ثم سارت العائلة إلى «عين شمس» حتى وصلت إلى منطقة «مِصر القديمة».
ومن «مصر القديمة» إلى «المعادى» حيث أقلعت العائلة المقدسة في مركب شراعى تجاه «الصعيد»، ومرت بقرية «أشنين النصارى»، متجهةً إلى قرية «دير الجرنوس» بمركز «مغاغة»، ثم ببقعة تُسمى «بيت يسوع» شرقى «البهنسا» (حاليًّا قرية صندفا) في «بنى مزار». ومن «البهنسا» إلى «سمالوط»، ثم عبرت النيل حيث «دير السيدة العذراء بجبل الطِير». ثم سافرت العائلة إلى «الشيخ عبادة» («بير السحابة»- «أنْصِنا») حيث أنبع السيد المسيح بئر ماء عذب.
ومرت بـ«قرية بنى حسن» جنوبًا، وعبرت نهر «النيل» إلى «الروضة» غربًا لتصل إلى «الأشمونين». وقد ذكرت بعض المصادر أنه في الطريق، مرت العائلة المقدسة على شجرة لبخ عالية (شجرة غار) وكان يسكنها الشيطان ويتعبدلها الوثنيُّون، إلا أنه بمرور السيد المسيح عليها انحنت كأنها تسجد! فجميع فروعها هابطة تجاه الأرض، وأوراقُها الخضراء تعلو، ثم بعد ذلك صار لقشر الشجرة وأوراقها وثمارها قوة شفاء للأمراض، فقد ذكر المؤرخ «سوزومينوس» من القرن الخامس الميلادى: «يُقال إنه في (الأشمونين)- وهى مدينة في صَعيد مِصر- شجرة تسمى (بيرسيا)، ثمرها أو ورقها أو قشرها يشفى المرضى من أمراضهم. ويروى المِصريُّون أن (يوسُِف) عندما هرب من مطاردة (هِيرودُس)، أتى مع (المسيح) وهو طفل و(مريم) أمه القديسة إلى (الأشمونين)، وفى اللحظة التي اقترب فيها من الباب، انحنت الشجرة إلى الأرض على الرغم من علوها، لتسجد للمخلِّص.
وإن ما أقوله عن الشجرة، أرويه كما سمعتُه من أشخاص كثيرين…»، كذلك ارتجفت الأوثان فيها وسقطت عند دخول العائلة، إذ يذكر «بلاديوس» المؤرخ أسقف «هيلينوبوليس» من القرن الرابع الميلادى بعد أن ذهب إلى منطقة «الأشمونين»: «وقد رأينا أيضًا هناك بيت الأوثان حيث سقطت جميع الأوثان التي فيه على وجهها عندما دخل مخلِّصنا المدينة».
وصلت العائلة إلى «ديروط أم نخلة» في الجنوب، حيث أنبع السيد المسيح بئر ماء عذب في «ملوى» (دير الملاك)، وعبرت النيل شرقًا لتصل إلى «تل العمارنة». وفى الطريق، استراحت العائلة على كوم في «دير أبوحَنِّس» ويُطلق عليه «كوم ماريا». ثم أبحرت العائلة المقدسة من «تل العمارنة» إلى ناحية «ديروط الشريف»، ثم إلى «قرية قُسقام» (قوست قوصيا)، ومنها إلى بلدة «مِير» (ميره) غرب «القوصية» حيث أكرمها أهلها وباركهم السيد المسيح وأمه «السيدة العذراء».
لقد تباركت «مصر» بوجود العائلة المقدسة بين رُبوعها، وظلت تلك الزيارة حُلمًا لم يتحقق إلا لـ«مِصر» والمِصريِّين، و… وعن مِصر الحلوة الحديث لا ينتهى…!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى
No Result
View All Result