تحدثنا فى المقالة السابقة عن دَور القوتين العظميَين الاتحاد السوڤيتى عندما وجهت الإنذارات للدول المعتدية؛ والوِلايات المتحدة الأمريكية التى دعت إلى جلسة طارئة فى مجلس الأمن والأمم المتحدة وأعلنت عن قطع المعونة عن الدول الثلاث: بريطانيا، وفرنسا وإسرائيل حال عدم الالتزام بقرار وقف إطلاق النار؛ كما أدانت دول العالم العُدوان الثلاثىّ على مِصر وطالبت بوقف إطلاق النار والانسحاب من الأراضى المِصرية.
عودة الملاحة إلى قناة السويس
ونتيجة العُدوان الثلاثىّ الغادر، توقفت الملاحة فى قناة السويس، المرة الأولى فى تاريخها، لغرق بعض السفن فيها؛ فى الفترة من الحادى والثلاثين من أكتوبر 1956م حتى الرابع والعشرين من إبريل 1957م. وقد أدى توقف الملاحة إلى حدوث خَسارة عظيمة لدُول العالم التى تمثل قناة السويس بالنسبة إليها شَِريان الحياة. لذا، أشارت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى أهمية تطهير قناة السويس وإعادة تشغيلها؛ وكان ذٰلك فى قرارها الخاص بوقف إطلاق النار الصادر فى الثانى من نوفمبر 1956م.
تطهير القناة
حُسبت المبالغ اللازمة لتطهير القناة ـ وَفقًا لتقرير سكرتير عام الأمم المتحدة ـ بمجموع يصل إلى 042‚376¸8 دولار. قدَّمت عَشْر دُول المبالغ المطلوبة قرضًا، على أن يُرَدّ من زيادة الرُّسوم على مرور السفن فى القناة، كما قدَّمت الدُّول: إيران، وتايلاند، والفلبين، والبرازيل؛ مشروعَ قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، فى الرابع عشَر من ديسمبر، أن تُفرض رسوم 3% على السفن المارة فى القناة؛ لتدبير النفقات الخاصة بالتطهير. وقد أُقر المشروع بأغلبية 54 صوتًا وامتناع 19 عضوًا عن التصويت.
وفى الرابع والعشرين من إبريل، بعد الانتهاء من عمليات تطهير المجرى الملاحىّ، أصدرت الحكومة المِصرية تصريحًا، بلغ السكرتير العام للأمم المتحدة، بعودة قناة السويس للملاحة طبيعيًّا. وقد احتوى التصريح على تقدير مِصر لجميع الجهود الدُّولية المبذولة فى وقت قصير لإتمام تلك العملية.
وبفشل العُدوان الثلاثىّ، أصبح تأميم مِصر لقناة السويس أمرًا واقعًا لا جدال فيه، واحتفظت مِصر بجميع حقوقها فى القناة المِصرية التى تجرى فى أرضها، ولم يعُد بإمكان أية سلطة خارجية الهيمنة على القناة أو مناقشة الأمر.
إدارة قناة السويس بعد العُدوان
وفى السنوات التالية لأزمة قناة السويس التى تعرضت لها إبّان العُدوان الثلاثىّ، استطاعت مِصر أن تُدير القناة بنجاح واقتدار، وظهر هٰذا فى ارتفاع مجموع حمولة السفن التى تعبر القناة يوميًّا من 000‚393 طُن عام 1957م إلى 000‚512م طُن عام 1961م، وازدياد الإيرادات السنوية إلى نسبة تصل إلى 62% دون زيادة فى رُسوم المرور بالقناة. كذٰلك أُجريت تحسينات على القناة بإزالة نحو مائة مليون متر مكعب من مجراها رمالًا، فاتسع سطح القناة، ما أدى إلى إمكانية عبور بعض السفن التى لم تكُن تتمتع بذٰلك سابقًا.
من يونيو 1967م إلى حرب «أكتوبر 1973م»
ويأتى العُدوان الإسرائيلىّ على مِصر فى الخامس من يونيو 1967م لتندلع الحرب بين مِصر وإسرائيل، وتتأثر الملاحة فى قناة السويس بالمعارك التى شنتها قوات العدُو، ما أدى إلى إغلاق القناة عدة مرات بسبب الهجمات الإسرائيلية، كان آخرها إغلاقًا استمر ثمانى سنوات، إلى أن أُعيد فتحها للملاحة مرة أخرى، بعد انتصار مِصر فى السادس من أكتوبر عام 1973م بعبور القناة وتحطيم خط بارليف. ففى الخامس من يونيو عام 1975م افتُتحت القناة وعادت الملاحة إليها. وقد صدر قرار جُمهورىّ يحدد نظام هيئة قناة السويس، نصه:
قرار رئيس جُمهورية مصر العربية، بالقانون رقْم 30 لسنة 1975م، بنظام هيئة قناة السويس:
بِاسم الشعب رئيس الجُمهورية قرر مجلس الشعب القانون الآتى نصه، وقد أصدرناه:
مادة 1- تتولى هيئة قناة السويس القيام على شؤون مِرفق قناة السويس وإدارته واستغلاله وصيانته وتحسينه، ويشمل اختصاصها فى ذلك مِرفق القناة بالتحديد والحالة التى كان عليها وقت صدور القانون رقْم 285 لسنة 1956م بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحْرية. وللهيئة أن تُنشئ ما يقتضى الأمر إنشاءه من المشروعات المرتبطة أو المتصلة بمِرفق القناة، أو أن تشترك فى إنشائها، أو أن تعمل على تشجيع ذٰلك.
مادة 2- (هيئة قناة السويس) هيئة عامة تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة تخضع لأحكام هٰذا القانون وحده، ولا تسرى فى شأنها أحكام القانون رقْم 61 لسنة 1963م بإصدار قانون الهيئات العامة، ولأحكام القانون رقْم 60 لسنة 1971م بإصدار قانون المؤسسات العامة.
مادة 3- يكون لهيئة قناة السويس مجلس إدارة يصدر بتعيين رئيسه وأعضائه، وبإعفائهم من مناصبهم، وبتحديد رواتبهم ومكافآتهم؛ قرارٌ من رئيس الجمهورية. ويكون تعيين أعضاء مجلس الإدارة المنتدبين والمدير العام للهيئة، وإعفاؤهم من مناصبهم، وتحديد رواتبهم ومكافآتهم؛ بقرار من رئيس الجمهورية.
مادة 4- تتبع الهيئة، دون التقيد بالنظم والأوضاع الحكومية، طرق الإدارة والاستقلال المناسبة، وَفقًا لما هو متَّبع فى المشروعات التِّجارية.
مادة 5- تكون للهيئة ميزانية مستقلة تُتَّبع فى وضعها القواعد المعمول بها فى المشروعات التِّجارية؛ وذٰلك مع عدم الإخلال برقابة الجهاز المركزىّ للمحاسبات على الحساب الختامىّ للهيئة. وتبدأ السنة المالية للهيئة فى الأول من يناير وتنتهى فى آخر ديسمبر من كل عام.
مادة 6- تختص الهيئة، دون غيرها، بإصدار اللوائح المتعلقة بالملاحة فى قناة السويس، وغير ذٰلك من اللوائح التى يقتضيها حسن سير المِرفق، وتقوم على تنفيذها.
مادة 7- تُدير هيئة قناة السويس ميناء بورسعيد باعتباره جزءًا لا يتجزأ من مِرفق القناة، وتُشرف على كل العمليات البحْرية فيه.
مادة 8- تفرِض هيئة قناة السويس، وتُحصِّل على الملاحة والمرور من مِرفق القناة، رُسوم الملاحة والإرشاد والقَطر والرَّسْو، وما إلى ذٰلك؛ وَفقًا لما تَقضى به القوانين واللوائح.
مادة 9- يكون للهيئة، فى سبيل القيام بواجباتها ومباشرة اختصاصاتها، جميع السلطات اللازمة لذٰلك، وبوجه خاص يكون لها تملُّك الأراضى والعقارات بأية طريقة؛ بما فى ذلك نزع الملكية للمنفعة العامة. وللهيئة أن تؤجر أراضيها أو عقارات تملِكها، ولها أن تستأجر أراضى وعقارات مملوكة للغير؛ سواء لتحقيق الأغراض التى أُنشئت من أجلها، أو تحقيقًا لرفاهية موظفيها وعمالها، أو لإنشاء المشروعات والمرافق المتصلة بمِرفق القناة أو التى يقتضيها حسن سير العمل بها كمنشآت المياه والقوى الكهربائية وما إلى ذٰلك.
مادة 10 – تعتبر أموال الهيئة أموالًا خاصة.
مادة 11 – تمكينًا للهيئة من مواجهة التزاماتها، ومن كفالة حسن سير العمل وضبطه بالمرفق، تتمتع الهيئة، بالنسبة إلى ما تستورده من المهمات والأدوات اللازمة، بالإعفاء من اتِّباع الإجراءات التى تتطلبها القوانين واللوائح الجمركية المعمول بها، كما تُعفى أيضًا من جميع الترخيصات المنصوص عليها فيها. ويصدر قرار من رئيس الجُمهورية بتنظيم طريقة تقدير دفع الرُّسوم المستحقة على ما تستورده الهيئة، وتنظيم العَلاقة بينها وبين مصلحة الجمارك.
مادة 12 – تبقى نافذةً كل النظم والقواعد المالية والإدارية والحسابية المعمول بها فى الهيئة، التى لا تتعارض وأحكام هٰذا القانون؛ وذٰلك حتى يصدر ما يعدِّلها أو يَلغيها أو يُستبدل غيرها بها.
مادة 13 – إلى أن تصدر اللوائح التى تتضمن القواعد المنظمة لشؤون موظفى الهيئة ومستخدميها وعمالها، يباشر مجلس الإدارة أو من يندُبه لذٰلك ـ وفى حدود حاجة العمل الضرورية ـ جميع السلطات اللازمة لتعيين الموظفين الفنيِّين والإداريِّين، واختيارهم، وتحديد أقدميتهم، ورواتبهم، وإلحاقهم بالإدارات والأقسام والمكاتب المختلفة.
مادة 14 – لا يجوز أن تتخذ الهيئة أى إجراء يتعارض وأحكام «اتفاقية 29 أكتوبر» عام 1888م؛ الخاصة بضمان حرية استعمال قناة السويس البحْرية. ولا يجوز للهيئة أن تمنح أية سفينة، أو أى شخص طبيعيًّا كان أو اعتباريًّا، أى فوائد أو ميزات لا تُمنح لغيرها من السفن أو الأشخاص الطبيعيِّين أو الاعتباريِّين فى الأحوال نفسها. ولا يجوز لها أن تفرق فى المعاملة، أو تميِّز بين عملائها، أو تَحرِم أو تفضل أحدًا منهم على غيره.
مادة 15 – لا يَمَس هٰذا القانون حقوق حكومة جُمهورية مِصر العربية أو التزاماتها المترتبة على «اتفاقية القسطنطينية» بتاريخ التاسع والعشرين من أكتوبر 1888م المشار إليها.
مادة 16 – يُلغى القانون رقْم 146 لسنة 1957م بنظام هيئة قناة السويس.
مادة 17 – يُنشر هٰذا القانون فى الجريدة الرسمية، ويُعمل به من تاريخ نشره.
وهٰكذا فُتحت قناة السويس للملاحة أمام دُول العالم، و… وعن مِصر الحلوة الحديث لا ينتهى…!
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى ّالقبطىّّ الأرثوذكسىّ